على أيامنا.. سنة “سكتو” كانت الامتحانات العامة بعد نهاية كل مرحلة، وكنا نسمع نتائجها عبر أثير الراديو، فالنجاح في الشهادة الابتدائية العامة، تلقيته من خلال راديو قديم بحجم نصف ثلاجة ماركة سييرا، أما نجاح الشهادة الإعدادية العامة، فسمعته من خلال تلفزيون أبوظبي أيام الأبيض والأسود وعلى زمن نادية النقراشي وعبد المنعم سلاّم، في عمارة بشارع حمدان، أما النجاح في الشهادة الثانوية العامة، فقد تطورت المسائل وقرأت اسمي في الصحيفة، وعلى حظي الجميل كان موقع اسمي على ثنية الجريدة. ولأنني لست من الشعب البصّيم الحفّيظ، ولا من أولئك “الزلمات” الذين يحظرون دروس الغد، دليل الجهد والاجتهاد وسهر الليالي وطلب العلا والعلالي، ولا هناك أم تأتي لك بكأس ليمون أو كأس شاي مثل الأفلام، ولا أب يراجع لك دروسك مثل أولاد الأسر النبيلة، فـ “شوابنا” كانوا يفرحون بختاننا أكثر بكثير من نجاحنا في الامتحانات• لقد كان يكفيني أن أعطي الأستاذ أذناً واحدة والأذن الأخرى طليقة، مع اشتغال اليد اليمنى الدائم في الخط والتخطيط والرسم، ولكن رغم ذلك كان بعض الأساتذة يعرف متى يشرد ذهن طالبه، خاصة بعد أن اخضرّ شاربه، واعترف أن بطلات السينما كن هن الحوريات اللائي يقفن خلف باب الفصل، وحين كنت أمسك متلبساً مع وحدتي أعاند الأستاذ وأقول له إنني متابع له باهتمام، لكنني كنت أكره وأدعو الله أن لا يطلب مني إعادة ما قاله أخيراً أو يجبرني على إعادة شرح الدرس أمام الطلاب• لقد ظل هاجس امتحان الثانوية العامة يزورني في الأحلام وبشكل مستمر ومتكرر وكثيراً ما كنت أحلم بأنني ساقط ولن أسمع اسمي في الراديو القديم، ولا التلفزيون الأبيض والأسود، ولن أراه في الجريدة، كانت الامتحانات العامة هي التي تربكنا نحن الذين نعتمد على مراجعة الشهر الأخير، لأنها توضع بعيداً عنا أما امتحانات صفوف النقل، فقد كانت تكفي مراقبة لمعة عين المدرس أثناء شرح الدرس أو حين يذكر موضوعاً بشيء من الحماسة غير الظاهرة أو اقتناص نبرة صوته العالي قليلاً تجاه موضوع ما، يكفي هنا لكي ندرج أسئلتنا الافتراضية والمتخيلة، وقلما كنت أخيب في التوقع، حتى بعض الأصدقاء الذين “مجاوبنهم” وما أتحدث معهم منذ أسبوع، تجدهم يبدون بعض الرضا وبعض التنازل وكثيراً من التودد من أجل الامتحانات القادمة• مادتان جميلتان حصدت فيهما الأرقام النهائية، التاريخ والفلسفة، ومادتان فقط.. ظلت درجاتي لا تتجاوز النجاح إلا بفاصلة، مادة الحساب أو الرياضيات حيث أرقامي كانت متعثرة دائماً، ولم أطمح يوماً لتحطيمها، ومادة الدين التي كنت استسهلها وأعتقد أنها لا تحتاج إلى مذاكرة، فتكون درجات حسناتي بالكاد تجعلني أعبر الصراط المستقيم! ناصر الظاهري | amood8@yahoo.com