ما يخبئ المرء لشهر رمضان الكريم هو الكثير من الطقوس والتقاليد، يصطفيها عند مسارب الذات المختلفة، وللمثقف أو الكاتب حياة أدبية يسعى لها، مما يميل الى امتصاص الوقت الرباني والمنفطر على الإبداع، فالمناخ الرمضاني روحاني يدرك المثقف خاصيته وبعده وجماليته، فيهيء رؤاه ونسق أفكاره من أجل الصفاء الذهني والسكون النفسي، وهي كلها قيم تدفع بعجلة الفكر الى حيز العطاء والكتابة، بينما تبطئ الثقافة نشاطها، كأن تتهادى الى أسفل القاع، فلا يهتم بها سوى نفر قليل، فمنذ سنوات وشهور خلت لا تشعر بعلو شأن لها لا جذبا للمبدع ولا لفكره. بات النشاط الثقافي يضمر كثيراً أمام المتلقي. هذه الحالة تشعل شمعة العزلة وتقترب تصوفاً، كلغة سرية للنفس تمتزج حروفها ضمن منظومة متعددة، سواء كانت تهيم بها القراءة أو تعرج بها الكتابة، لغة تتفتق حروفها لأعمال أدبية مؤجلة، فأبواب المكتبة تفتتح أنساقها المنتظرة، فمن خلال معارض الكتب التي سبقت، تسللت إليها أعداد من الكتب مما لم تقرأ لتسارع نبضات الوقت، ولكن يميط الشهر الكريم عنها اللحاف، فحان قطافها فهي المثمرة وتؤتي أكلها للمتذوق، أما عن الضفة الأخرى فالكتابة تعانق رحيق الفكر، ويعلو شأنها فلا صفو يتمتع به المرء أجمل من الشهر الرباني الذي يقترب الناس منه بكل جوارحهم وإحساسهم، ويصوبونها إلى الخالق تعالى، فالقراءة في ذات الشأن الرمضاني والروحي أو الأدبي هي اختلاج وحوار بين الذات والذات المحيطة. لكل كاتب طقوسه وعالمه الخاص، فمنهم من لا يسعى للقراءة ويعتبرها بحاجة إلى جهد أضافي بينما لديه يعلو شأن الكتابة التي تتملكه، وخلال الشهر الكريم تتفتح لديه فصول لرواية أو يكمل مساراً قصصياً بعد تهذيبها بصورة تتناسب أدبياً، وآخر كما ذكر لي يفسح لنفسه السهر مما يجسد الروابط والحوار بين طوائف الأصدقاء من أدباء وكتاب، وهي منظومة تدرج ضمن كثير من المثقفين ورواد المقاهي، والبعض يحتفظ بالذاكرة الثقافية ذات العمق التاريخي والمجتمعي مما تجسد اللقاءات الرمضانية لديه كثيراً من الحوارات المهمة والنقاشات التي تضيف بعداً ثقافياً. هاهي تختلف الروايات حول الكاتب وما يتوق إليه من خلال شهر يظل وفياً بكل معنى الوفاء إلى الأدب والأدباء كما إلى عامة البشرية والإنسانية، وخاصة في خضم هيمنة الجراح العميقة وطبول الموت التي تقرع ما بين حين وآخر، فالشهر يطرق أبواب العبادة المتعمقة في حب الله عز وجل والخضوع كل الخضوع لذاته سبحانه. أردت من خلال ما سبق استشفاف طبيعة الكتاب الأصدقاء من داخل الإمارات وخارجها، وأخذ آرائهم حول قضاء أوقات الشهر الكريم، فالبعض أرادها سرية تامة وآخرون متعتهم قراءة القرآن الكريم والتعمق أكثر في فواصل معانيه والبحث عن مكامن اللغة العربية بالمعاجم المختلفة وقليل من اكترث للدراما العربية أو فضّلها بشكل تام.