الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«ياسمين أزرق».. دائماً هناك بداية جديدة

«ياسمين أزرق».. دائماً هناك بداية جديدة
25 سبتمبر 2013 20:31
كل ما في أحدث أفلام المخرج والكاتب والممثل الكبير وودي آلن (77 عاماً)، بعنوان “ياسمين أزرق” blue jasmine، مثير ولافت للانتباه، فعلى مستوى نجومية الأبطال، يعيد آلن النجمة الحسناء كيت بلانشيت، الحائزة على الأوسكار، إلى الشاشة الفضية، بعد انقطاع نحو ست سنوات، بعد أن أشغلت نفسها في إدارة مشروع مسرح سيدني، الذي يديره زوجها أندرو أبتون، وعلى مستوى مضمون الفيلم فقد أقامه مخرجه على قصة واقعية روتها له زوجته خلال جلسة عشاء، عن انهيار حياة امرأة ثرية، وهي في الواقع إحدى صديقاتها. يتناول “ياسمين أزرق”، حكاية (جازمين) زوجة مترفة (تقوم بدورها كيت بلانشيت)، تخسر كل ثروتها، بعدما تكتشف أن زوجها (يقوم بدور أليك بالدوين)، مجرم، وقد جمع ثروته عن طريق أعمال غير مشروعة، مما يضطرها قسرا، إلى ترك حياة الرفاهية، والانتقال للعيش مع شقيقتها، التي تقطن بولاية سان فرانسيسكو، في محاولة منها للعودة والوقوف على قدميها من جديد، وتأسيس حياتها في إطار مغاير. وكأن موضوع الفيلم يريد أن يذكرنا بأن في هذه الحياة القاسية هناك دائماً أمل. ولعل ثيمة “ياسمين أزرق”، تذكرنا على الفور بالفيلم العربي “العار” بعد أن تكتشف العائلة، أن رب الأسرة بعد موته كان عريقاً في تجارة المخدرات. كما تتماهى قصة الفيلم مع مضمون مسرحية “بيت الدمية” لهنريك إبسن، بعد أن تكتشف نورا، الزوجة، بعد سنين طويلة، أنها لا تحب زوجها هيلمر، كما كانت تعتقد من قبل، وأنه ليس أكثر من رجل أناني، لا يحب إلا ذاته، مع أنها أفنت حياتها من أجله، ومن أجل المحافظة على مفهوم العائلة. وثالث هذه الأشياء أن وودي آلن، ينزاح عن تجربته وأسلوبه الكوميدي المعهود، ليقدم لجمهوره فيلماً روائياً درامياً، بكل المقاييس، والمواصفات التي يحتاجها فيلم صادم، لا يريد أن يكرر نفسه، في المحتوى والذوق العام. وأخيراً هذا العشق الممتد بين مخرج الفيلم وعاصمة النور باريس، لتصوير أفلامه في أماكن عديدة فيها، حيث صور قبل ذلك فيلمه الشهير “منتصف الليل في باريس” عام 2011، وحقق من خلاله نجاحاً ساحقاً، كما صور فيلمه الذائع الصيت وبخاصة عند الجمهور الفرنسي بعنوان “كل العالم يقول أحبك يا فرنسا”. وفي تصريح أدلى به آلن إلى صحيفة “الفيجارو” الفرنسية يقول: “بفضل هذا الفيلم اكتشفت سحر باريس، وجمالها، لقد عشت فيها لنحو ثمانية أشهر وكأنني أشبه بأمير في فندق جورج الخامس”. يجمع “ياسمين أزرق” إلى جانب كيت بلانشيت، نجوماً آخرين لامعين أمثال آليك بالدوين لوي سي، كاي وبوبي، كانفال وييتر، سالي هوكينز. وودي آلن، صاحب فيلم “مانهاتن” 1979، و”دواخل” 1978، و”سبتمبر” 1987، استعان بالممثل آليك بالدوين، لأداء البطولة الرجالية، أمام كيت بلانشيت، وهو بذلك يحقق جانباً كبيراً من النجاح لفيلمه الذي عرضه نهاية أغسطس الماضي، في أميركا الشمالية، وفي فرنسا. والفيلم يحقق نجاحه بسبب هذا الثنائي الجميل الأكثر شعبية وشهرة عالمياً، وبخاصة تلك المفارقة الدرامية التي تجمعهما بكل ممكنات الدهشة والإثارة، فهي امرأة ملول تبحث عن العشق والحب على مقاسها، وهو زوج مستهتر يبحث عن الثروة والنساء، والمركز، ومن هذه التوليفة يصنع المخرج العجوز، فيلماً يحمل كافة ممكنات النجاح والجذب نحو شباك التذاكر، وربما يكون هذا العمل سبباً في إعادة أفلام بلانشيت، إلى صدارة عروض السينما، حيث يعرض لها حالياً بجانب “ياسمين أزرق” مجموعة من أفلامها هي: “مؤقت هو” للمخرج تيرانس ماليك، و”رجل الآثار” للمخرج جورج كلوني، والجزء الجديد من فيلم “ذا هويت”، والذي تأمل من خلاله تحقيق نجاح مماثل للجزء الأخير، والذي حقق إيرادات ساحقة في شباك التذاكر، وشارك في بطولته كل من: مارتن فريدمان، آندي سركيس، هوجو النسيج، ريتشارد أرميتاغ، وكذلك يعرض فيلمها “فارس الكؤوس” للمخرج تيرانس ماليك، الذي يبدو أنها شكلت معه ثنائياً ناجحاً في أكثر من فيلم سينمائي، وتشارك في بطولته ناتالي بورتمان، وكريستيان بال، وبذلك يكون هذا العام ومع فيلم “ياسمين أزرق” عام حظها وعودتها بقوة إلى السينما، بعد أن أذيع في أكثر من وسيلة إعلامية أنها تعاقدت مؤخراً على بطولة فيلم جديد بعنوان “كارول”. لا يمكن لك أن تفهم الروح التي يصنع بها وودي آلن أفلامه، إلا إذا تعرفت على بعض من سيرته التي تغلفها روح الكوميديا، والفكاهة والمرح، وهذه الأشياء هي التي ربطته حتماً مع الجمهور الذي أحبه، وأحب أفلامه، وقبل ذلك أسس له جمهوراً كبيراً، من خلال عمله على المسرح ككوميدي فردي، ومن أهم مسرحياته في هذا السياق “الجرائم والجنح”، حتى جاء فيلمه “آني هول”، الذي يتحدث عن الحميمية الزائفة الناجمة عن مخاطبة الجمهور، أو كما يقول عنه أحد النقاد الأميركيين: “إن وودي آلن يستخدم الفكاهة للحماية من كل ما هو جدّي، ومع ذلك فإن حسّه الفكاهي دائماً أكثر من مجرد ضربة وقائية ضد التكلّف والتّظاهر، ومن شأنه أن يقدم لنا إمكانية التعمق في النفس”. وربما تكون مرحلة السبعينيات من تاريخ السينما الأميركية، هي مرحلة آلن كونه كان يمثل (موضة عصرية) في ذلك الوقت من خلال سلسلة من أفلامه مثل: “أيام الراديو”، و”حب وموت”، فقد ارتبط بجمهوره من خلال قيمة الموضوع وبساطة تناوله والتعبير عنه بلغة الواقع، وبمفردات سينمائية تستهوي عشاق السينما. ورغم الانتقادات الكثيرة التي وجهت له بسبب سوء بعض أفلامه مثل “سكوب” 2006، و”مهما كان العمل” 2009، إلا أنّه صنع أيضاً أفلاماً عظيمة مثل “منتصف الليل في باريس”2011، وأيضاً فيلم “الخرافة الحديثة” 1983، وفيلم الخيال العلمي الساخر “النائم”، ومن ثم فيلم “وردة القاهرة البنفسجية”، وغيرها من الأفلام الجميلة والممتعة، ولكنك إذا نظرت إلى الموضوعات التي كان يطرقها بحرفية عالية، ستجد أنها متطورة ومتنامية ومتنوعة، ففي مراحل حياته الأولى لعب على وتر مواضيع تناقش واقع ومشاكل الشباب في المدن الكبيرة، ثم مناقشة مشاكل المسنين والكهول، ثم أفلام التحليل النفسي، مستفيداً من دراسته لسيكولوجية الشخصيات، مثل فيلمه الرائع بعنوان “ميليندا وميليندا” 2004، لكن يبقى لفيلمه “ياسمين أزرق” مذاقه وخصوصيته، فهو من إيقاعه التعبيري الجاذب، يؤكد لنا أنه ليس جزءاً من ذلك العالم القديم للسينما، وأنه يملك تجربته متجددة رغم اقترابه من عتبة الثمانين من عمره، ومع ذلك ما زال يردد بقوة أنه يعمل في حقل الفن السابع من أجل المتعة والتسلية، إنطلاقاً من تجربته النقدية الوجودية إلى الحياة بكل ما فيها من متناقضات وخذلان للبشر، ونظرته للإنسان باعتباره كائناً زائلاً، بلا مستقبل أو أمل. فوودي آلن من السينمائيين الذين لا ينبشون في الماضي ودفاتره المغبرّة، إذ كما أعلن غير مرة أنه لا يشاهد أياً من أفلامه القديمة، ولا يذكر حتى مضامينها، خشية أن تتحول المشاهدة البصرية إلى جلد للذات ومحاسبة غير نافعة، ولعل هذا ما نجده في “ياسمين أزرق” حيث نعيش مع مأساة امرأة من نساء نيويرك، ثرية مهووسة وهستيرية، تعيش على حافة الانهيار العصبي، ثم تقرر أن تبحث عن حب جديد يكون هذه المرة على مقاسها، وكأنها تقول إنه دائماً توجد هناك بداية جديدة. دور تؤديه كيت بلانشيت بغاية الحساسية والجمال، ومن منّا لا يحب أن يتابع هذا الجانب التعيس من حياتنا المعاصر الممتلئة بهذه النماذج اليائسة التي تكاد تشكل ظاهرة عالمية لا تخلو من الأبعاد الإنسانية والنفسية، وقد صاغها وودي آلن في غاية الشفافية، خصوصاً عندما يخرج في فيلمه عن خطه التقليدي شكلاً ومعنى ومعالجة ومناخات سينمائية، حينما يجمع بين المضحك والمبكي في تراجيكوميديا، أو قل كوميديا سوداء، تعيد إلى الأذهان عمق تلك الأعمال الإنسانية التي قدمها لنا خلال مسيرته السينمائية الممتدة والتي تفصح عن قلق الإنسان المعاصر حول مستقبله المجهول. يعود نجاح “ياسمين أزرق”، إلى بطلته كيت بلانشيت، سواء على مستوى عمق الدور والشخصية المركبة التي تؤديها في الفيلم، بجماليات، هي الأقدر على تقديمها بخاصية قلما تتمتع بها غيرها، كما يعود إلى روعة تجسيدها للدور الذي تقمصته بمقدرة فائقة، وإلى تلك النظرة الساحرة من عينيها، ذات النظرة الغريبة، المملوءة بتساؤلات لا يمكن الإجابة عنها. ومثل هذا الدور المعقد لامرأة هستيرية تتفاجأ بخيانة زوجها، كان أحوج بالغل لمثل أداء الأسترالية بلانشيت المتفجر على الدوام، فهي الأقدر على تصوير معاناة الإنسان مع الأزمة المالية حينما تعصف بالكثيرين، وكيف تعايش مثل هذه الأدوار المركبة القاسية التي تحتاج إلى مزيد من التعبير عن الانهيار والتماسك في آن واحد، مع حالات من الغضب والتوتر والقلق، والهدوء النسبي. لقد كان اختيار وودي آلن لهذه الممثلة الكبيرة والعظيمة موفقاً على مستوى الأداء والتقمص والجمال أيضاً، فهي تتمتع بطلة خاصة على الشاشة الفضية، وفي الواقع أن هذا الثنائي آلن وبلانشيت، سيشكل جذباً مهماً للجمهور، الذي يتابع عرضهما المشترك “ياسمين أزرق” بمزيد من الشغف والاهتمام، وهكذا تكون السينما حينما تجتمع الموهبة والجمال، والبحث في الشأن الإنساني.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©