لا يزال بعض الرجال يعاني نظرة دونية للمرأة، ابتلي بها نتيجة التنشئة، فظن تلك الصور النمطية الخاطئة التي رآها أو تلقنها في صغره هي منتهى الأرب ونهاية الأدب، فاعتنقها وحفظها في وعيه ووجدانه، ولو أنه تأمل في قرآن ربه لوجد أن للنساء دون الرجال سورة كاملة باسمهن في محكم قرآننا العظيم تعد من طوال السور، اختص الله بها النساء دون الرجال، ولو أنه ذهب يبحث في دينه ودنياه وعاجل أمره وآجله، لوجد أنه لولا المرأة ما كان الرجل وما عمرت الأرض وما استوت بهذا البهاء والجمال، ثم أن نبينا وقدوتنا وحبيبنا قد أوصى بالأب مرة وأوصى بالأم ثلاثاً، فما لبعض قومنا كيف يحكمون؟
صادم ذلك التصريح الذي نسب لأحد مشايخ الدين الذي أفتي - إذا صح تسمية هذا الكلام بالفتوى - بأنه “يجب أن يستفاد من الجوال ومواقع التواصل الاجتماعي فيما ينفع، وتكون بأيدي العقلاء وأهل الدين والمروءة لا بأيدي النساء والأطفال، بل يستفاد من خيرها ويكافح شرها”، انتهى رد الشيخ على السؤال.. وعليه، فقد أخرج فضيلته النساء من قائمة العقلاء ابتداءً، ومن المصنفين بأهل الدين والمروءة، واعتبرهن والأطفال سواء بسواء، وعلى النساء القبول بذلك والتسليم به؛ لأن مناقشة مثل هذا الرأي قد ينظر إليها البعض على أنها خروج على الأدب والدين!
إن مثل هذه الفتاوى هي ما يجعل بعض شبابنا يتمترسون خلف عقليات مغلقة في نظرتهم وتعاطيهم مع المرأة في سائر أمورهم معها، مثل هذا الكلام يختلف اختلافاً جذرياً في مقدار أثره، واتساع تأثيره حين يقوله رجل دين يتبعه ويستمع إليه الآلاف من الناس عما إذا قال به صحفي أو كاتب أو حتى أستاذ جامعة برغم تأثير هؤلاء ومكانتهم، إلا أن رجل الدين ينطلق من منظور مقدس يحمل له العامة احتراماً وتقديراً كبيرين، من هنا فإن بعض المفاصل الحساسة في الذهنية العربية يتوجب التعامل معها بحذر شديد من مثل قضايا النساء والحريات وغيرها.
كيف نتقبل كلام الشيخ عربياً، ونحن نجد ثروات تقدر بالمليارات تديرها النساء العربيات، كما هي الحال في الإمارات مثلاً، إضافة لشركات عملاقة تقع مسؤوليتها على عاتق النساء في السعودية تحديداً، دون أن ننسى وزيرات وقاضيات وبرلمانيات ومديرات تنفيذيات في بلادنا العربية أنيطت بالنساء إدارتها وتطويرها مما تعج بأخباره كبريات الصحف العالمية قبل العربية.
ثم كيف يحظر الشيخ على المرأة حمل أو امتلاك الهاتف الخليوي، وهي التي تدير على مستوى العالم شركات ضخمة في مجال البرمجيات وشركات صناعة الاتصالات كالسيدة ماريسا ماير نائبة رئيس المنتجات الاستهلاكية في جوجل سابقاً الرئيسة التنفيذية لشركة ياهو حالياً، والسيدة شيريل ساندبيرغ المديرة التنفيذية للعمليات في فيسبوك، والسيدة فيرجينيا روميتي الرئيسة والمديرة التنفيذية لشركة آي بي إم، أما السيدة ماري ميكير فتعتبر محللة التكنولوجيا الأولى في وول ستريت وواحدة من خبراء الإنترنت الأكثر احتراماً في أي مكان في العالم، إن هؤلاء النساء وغيرهن كثيرات يعتبرن عقولاً جبارة على مستوى العالم؛ لأن احتراماً وتقديراً لعقولهن قد رفعهن ومنحهن هذه المساحات اللامتناهية من الإبداع والعبقرية لخدمة الإنسانية.
أتمنى أنه لم يقل هذا القول، ولم يضع النساء في موضع مسيء لا يقبله حتى أقل الناس مروءة وعلماً. هذا الاتهام الشنيع يجرد المرأة من العقل والدين والمروءة معاً، وهو أمر لا يقبل من جاهل، فكيف من عالم دين ورجل جليل بقدر ما يمتلك من علم ودين ومروءة؟


ayya-222@hotmail.com