تعرفت إلى المترجم الإنجليزي بيتر كلارك أثناء مشاركتي في ورشة الكتابة الإبداعية الثانية التي أقيمت برعاية الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر العربية) في أكتوبر عام 2010، وبيتر كلارك مترجم وكاتبٌ ومستشار ثقافي، ترجم عشرات الأعمال الأدبية من العربية إلى الإنجليزية، وعمل في المجلس الثقافي البريطاني في سبعة بلدان عربية مختلفة على مدى ثلاثين عاماً بين عامي 1968 و1997، وهو اليوم عضوٌ في مجلس أمناء الجائزة العالمية للرواية العربية، ومحرر في مجلة بانيبال المختصة بنقل الأدب العربي إلى الإنجليزية. أثناء أيام الورشة، تبادلنا حوارات خفيفة حول اللغة العربية، ولماذا اهتم بها؟ وكيف يرى الشعوب العربية؟ وأي الدول العربية أحبها إلى نفسه؟. وكان يتحدث كثيراً عن سوريا، وأنها أجمل البلاد العربية، وحين أخبرته بخجل أني لم أزر سوريا بعد اندهش كثيراً “كيف ذلك؟!، ولماذا؟! يجب أن تزوريها”. شعرت أن ليس من اللائق أن يعترف شخص أنه عاش حتى الألفية الثانية دون أن يكون قد زار دمشق. أخبرني أنه ينظم رحلات سياحية تنطلق من لندن إلى أنحاء سوريا الأثرية، واقترح أن انضم إلى إحداها، راقتني الفكرة، لم لا أجرب زيارة بلد عربي في فوج سياحي أجنبي، أراها بعيونهم وأتعرف إليها معهم، واتفقنا على آيار/ مايو 2012. ولكن، هاهو آيار قد مضى يا بيتر ولم أزر سوريا بعد. لم أجد داع لأرسل لك رسالة بإلغاء انضمامي للرحلة. فرائحة احتراق سوريا وصلت أرجاء العالم. وسوريا التي نعشق تنزف دماً أحمر. أزهار الياسمين البيضاء صارت حمراء، تتقاطر منها قطرات دم بدلاً من ندى الفجر الصافي. خرج الوحش من القمقم في سوريا، خرج الوحش بأبشع صورة، بأكثرها قسوة ورعباً. مضى آيار يا بيتر، ودمشق تحترق، هل سيبقى شيء لنراه لاحقاً؟ تساءلت بيني ونفسي بمرارة رماد يتكدس في القلب... فرماد حرائق دمشق يتكدس، ليس على شوارعنا، فشوارعنا نظيفة، نستطيع أن نكنسها دوماً. لكنه يتكدس في قلوبنا، هل هناك مكنسة لرماد القلوب يا دمشق؟. في قلبي يتنامى غضب عارم، أتحكم فيه بالاستماع إلى الأغاني وقراءة قصص الحب. انسحبت إلى الموسيقى أكثر، وقراءة قصص تتحدث عن الحب، الكثير من الحب، وتنتهي نهايات سعيدة، احتجت جرعة زائدة من الحب، جرعة زائدة من الإحساس بالسلام، فرائحة الدخان تزكم قلبي. أسحب كتاباً من مكتبتي وأرفع صوت الموسيقى، فتسقط من بين الأرفف علبة خشبية جميلة كان قد أهداني إياها صديق قبل أربع سنوات بعد عودته من سوريا. كانت مليئة بياسمين دمشقي. فتحت العلبة، وكانت الرائحة لا تزال هناك.. بعيدة، عتيقة، لكنها حيّة. وشعرت بتلك الرائحة تخترق قلبي وتكنس بعض الرماد، فانتابتني نوبة أمل وأحسست أن مدينة لا يموت ياسمينها، لا يمكن أن تموت. Mariam_alsaedi@hotmail.com