كنا حائرين نحن الفوج السياحي، ونحن معظمنا لا يبحث عن المعلومة الكافية قبل زيارته المدن بين مرشدة الفوج، وذلك العجوز السيرلانكي الذي يفهم أكثر من أستاذه الذي علمه، حتى أشفقنا على المسكينة، والتي ترددت بعد ذلك كثيراً قبل أن تدلي بأي معلومة مرتجفة تخرج من بين شفتيها اللتين هما الوحيدتان من علامات الأنوثة فيها، أما الباقي فهي لا تتعدى أن تكون آمر فوج مظلي أو من تلك المدربات العسكريات للمستجدات في الخدمة، سنعدي صورة المرشدة السياحة التي تلاصق زوجة الأميركي المتصابية، والتي لا تقرّ في مكان واحد، فبعد السيرلانكي مخزن المعلومات العميقة المتنقل يقف شاب يبدو حديث نعمة، يمكن أن يقول عنه الغرباء أنه ابن تاجر سيارات مستعملة في إسبانيا أو ابن صاحب مطعم في المكسيك أو من المهاجرين العرب، قميصه الـ”فرساتشي” المقلد في تايلند، رغم ألوانه الحارة، وطبيعة القماش الحريري، يظهر الرخص عليه، لأنه في غير وقته في ذلك النهار المشمس ببرودة، كذلك النظارة الشمسية المذهبة شغل محلات التجزئة الطارئة في الشارع، لم يعجب بتلك الأناقة المربكة إلا الأميركي، حيث أثنى عليها مراراً، أما اللاتيني فإنه لم يحفل، وبدا أنه يغار من ذلك الشاب الذي كان ماهراً في التصوير، ومن ملابسه البراقة، وكثيراً ما كان يسرّ في أذن زوجته: أنه عاطل، وربما يكون من الغجر أساساً، ويده خفيفة، رغم أن الشاب أبدى أعجابه بأهل وثقافة أميركا اللاتينية، وتودد لهما بالحديث بالإسبانية التي يحاول جاهداً إتقانها، العائلة اليابانية امتدحت في ذلك الشاب كاميراته اليابانية، وقالوا عنها إنها غالية جداً عليهم، أما الباكستاني وزوجته، فتحسباه من الهند، وفضّلا قفل أي حديث معه، رغم ابتساماته المجانية لهما، بجانبه يقف شاب من النرويج، يشعرك أنه جزء من تلك القلعة القديمة، كواحد من محاربي الفايكنج، بوجهه الناري، وشعره الأصهب، وطوله الفارع، بحيث يخجل من يأتي به حظه العاثر مثلي للوقوف بجانبه، ويجعلك تعاف طولك ووزنك وعافية حُمرة الخدود، وتشفق بأثر رجعي على أمه التي حملته وربته، وتفرح أن حروب اليوم ليست بالفأس القاطعة، ولا السيف البتّار، وإلا لن تطول مقاومتك طويلاً، ولن تمكث مدافعاً أقل من دقائق تحسبها دهراً، بعدها لابد أن تتجندل أمامه كجثة هامدة، بعده شاب وفتاة لم يتزوجا بعد، يمكنك أن تلحظ ذلك لأول وهلة من خلو أصابع الفتاة من أي خاتم عليه القيمة، كانا طوال الوقت مشغولين ببعضهما بعضاً، ويتأخران في الركوب والنزول، ولا فاضيين لأحد منا، متوحدين مع نفسيهما، لكنتهما الأقرب إلى تحطيم الحطب المتيبس، تدل ربما أنهما من بلجيكا أو هولندا أو سويسرا أو النمسا.. غاب الشخوص وبقيت الصورة.. وبقيت ذكريات نهار جميل ذاك الذي حمل حكاية تلك الصورة من هايدلبيرج!.


amood8@yahoo.com