في الزمن المرتبك، وفي خضم التطورات الاقتصادية والسياسية في العالم عامة، وفي منطقتنا خاصة، نحتاج إلى وقفة تفكر وتبصر فيما يحصل على اللوحة التشكيلية السياسية، والتي أضحت لوحة سيريالية ملتبسة، تحتاج إلى قوة ذهنية ومشاعر واعية، وقدرة فائقة على الفحص والتمحيص، والتفسير، لأن ما يحصل في المنطقة كائن يسير بلا عقل، يهرش ويخربش ويفتت الجزء إلى أجزاء، ويحول الكل إلى أشلاء، ويوقظ مرضاً عضالاً في الجسد، ربما كان مختبئاً لأسباب أيديولوجية خاصة، أما اليوم فنذر الخطر بانت معالمها ولا ينبغي أن يخدع أحد بالألوان الفاقعة والأضواء الساطعة، لا مجال اليوم لأخذ حبّات البندول لإسكات الألم، فالأنياب البغيضة أفصحت عن نواياها والمخالب طالت ونشبت أحقادها في الجسد.
الوطن فوق كل اعتبار، وأمنه واستقراره لا يحتاجان إلى نقاش، من يقول غير ذلك، أو يفكر في سواه فهو مدع كذاب، وأمثال مسيلمة كثر، يقولون ما لا يفعلون ويحاولون أن يستغلوا الفرص بأي شكل من الأشكال، والتاريخ البعيد والقريب شاهد على خداع البعض ووصوليتهم وانتهازيتهم، لأنهم يتحركون ضمن أجندة العقائد المتوهمة، لا تحت راية الأجندات الوطنية، لذلك فهؤلاء يجدون المجال مفتوحاً أمامهم، لأن هناك من يتحين الفرص ويغتنم مثل هذه اللحظات التاريخية ليحتضن من في نفوسهم مرض، ويؤلبهم ضد أوطانهم ويخرب ضمائرهم، كل ذلك تحت شعار الحكومة العالمية لعقيدة واحدة..
وليس هذا التأليب من باب المؤامرة، وإنما هو من نافذة الانتهازية، واليوم نوافذ المنطقة العربية مشرعة لكل شارد أو عابر سبيل، ولكل متطفل يريد أن يكبر ويتضخم على حساب التاريخ العربي، ولكل شوفيني يظهر ما لا يبطن، وما يساعد هؤلاء، تلك الفئة التي تقف في المنطقة الرمادية، تلك الشريحة التي تخاتل وتماطل، ولو ارتكبت الباطل فلا خير لديها، لأنها ميكافيلية حتى النخاع، والغاية تبررها جل الوسائل، وأولها وليس آخرها تدمير منجزات الأوطان وتشويه الصورة الإنسانية للمجتمع، وتمهيد الطريق أمام حرائق سياسية واجتماعية وثقافية.
وأمام وضع إنساني محتقن، لا بد من تأمل المشهد بعيون تميز الألوان وقلوب بصيرة، لا بد من توفير القدرة الثقافية وهي المضاد الحيوي لأي فيروسات قاتلة، لا بد من حقن الثقافة المجتمعية بقيم تفصح ما تدلسه، وتهرج به جماعات محددة، وتوضح للإنسان وبدءاً من أولياء الأمور، بأن هناك هجمة شرسة تقاد ضد الأجيال من أجل الانحراف بهم نحو غايات وأهداف تهدم كل ما أنجز وتكدر صفو المشروع الحضاري، الذي تنعم به المنطقة، وفي مقدمتها الإمارات .. لا بد من وعي ثقافي، تحمل وعاءه مؤسسات مختصة، يدحض الافتراءات ويفشل كل المخططات ويحبط النوايا السوداوية البغيضة .. يجب أن يكون التحرك سريعاً وجاداً ومدروساً وموضوعياً، وهذا هو الدور المطلوب من الثقافة أن تلعبه وأن تديره بحكمة وإتقان.


marafea@emi.ae