تقول دراسة أميركية جديدة إن الفيسبوك لا يسبب الاكتئاب، وهي تناقض دراسة سابقة لمنظمة أطباء الأطفال الأميركيين سنة 2011م، والتي جاء فيها أن الاستخدام المكثف للفيسبوك قد يؤدي إلى الاكتئاب لدى المراهقين.
قد تكون الدراسة الجديدة التي تنفي أية علاقة بين الفيسبوك والاكتئاب في بلدان غير بلدان الربيع العربي، لأن عندنا الأمور مختلفة، وشكل شاشة الفيسبوك أيضاً مختلفة، لأنها شاشة صغيرة، ولكنها موحشة، كغابة مغلقة، تدور فيها معارك بين الضواري والحملان الوديعة. لدينا الفيسبوك لا ينقل إلا صوراً معتمة وأخباراً مؤلمة، وألواناً مظلمة، وظواهر مفعمة بالظلم والظلام. صحيح أن الشباب يحاولون الخروج من هذا المأزق، ومن هذه الملاحم المأساوية بالهروب إلى التراسل بالعبارات الهزلية، ولكن حتى هذه العبارات لا تخرج عن إطار العبثية العدمية، ولا تختلف حالنا اليوم عن حال أوروبا في القرنين الثامن والتاسع عشر، هما قرنا التحول الفجائي، وأحياناً العبثي الذي أفرز فلاسفة عدميين عبثيين أمثال سارتر وصمويل بيكيت وفردريك نيتشة وغيرهم ممن حركت فيهم النزعة الصدامية مع الواقع، نزعات مضادة خلخلت الواقع النفسي والفكري والثقافي لدى هؤلاء. ولأن أولئك كانوا يعيشون في واقع يدفع إلى الإبداع الفكري، رغم جبروت الطبقات الأخرى، فإنهم برزوا كمبدعين ومخترعي فكر، وعدميتهم لم تكن من محض خيال فضفاض، بقدر ما كانت نتيجة التراكم ونتيجة الزحام الفلسفي وتلاطم أمواجه الهائجه وما نتج عنها من تعرية لسواحل المجتمع، وفرز أنماط وأنساق جديد تتلاءم مع الظرف الاجتماعي والسياسي والاقتصادي آنذاك.
نحن الآن نعيش الظرف نفسه في الخلخلة، لكن ليس لدينا من فلاسفة ومفكرين، يحتوون هذا الحراك الإنساني ضمن إطار رؤية فلسفية تعيد ترتيب الأفكار، كما أنها تعيد تهذيب المشاعر المرتبكة، والثقافة المرتجفة، الخائفة من المجهول.
الفيسبوك لن يشعل نار الاكتئاب فحسب، وإنما سيحرق ما تبقى من الإحساس بالوجود كبشر، لأننا لا نتحرك من داخل وعينا وإنما نحن نندفع بعواطف تؤججها عوامل مفتعلة وانفعالية، والانفعال لا يصنع فعلاً حقيقياً بقدر ما هو يهدم البيت الخرب دون أن ينشئ بيتاً جديداً ملائماً لحاجة الإنسان.
الفيسبوك سيظل مكتئباً، عابساً، طالما بقيت المشاعر تتحرك كفقاعات في قاع ماء ساكن. الفيسبوك أصبح أشبه بمسرحية هزلية بلا معنى كالمسرحيات العربية التي نراها اليوم يتحرك فيها الممثل كالزنبرك دون جدوى من إعطاء شيمة ذات قيمة ومعنى ومغزى.


marafea@emi.ae