أن يكون لك صديق فذلك يبدو من الأمور البدهية والطبيعية والعادية جداً فمن ذا بلا صديق؟ لا أحد، أولاً، لأن وجود الصديق أمر حتمي تفرضه طبيعة الحياة والظروف والعلاقات والتنشئة وتبدلات مراحل العمر، فنحن محاطون بكثير من البشر والعلاقات منذ ولادتنا وحتى نهاية العمر، في رحلة الأيام الطويلة تلك لابد أن يشتغل المغناطيس الذي يجذب القلوب والنفوس والأرواح لتتآلف مكونة هذه الحالة الإنسانية الأزلية: الصداقة وتجلياتها، الأرواح جنود مجندة المتشابه منها فقط يأتلف مع شبيهه، أما المختلف والمتضاد فإنه يتنافر بطبيعة الحال، لأن شبيه الشيء منجذب إليه والعكس صحيح في كل الأمور، ولا يهم هنا في أي اتجاه يكون هذا الاتفاق أو التنافر، فالمبدأ يعمل في كلتا الحالتين: في الخير وفي الشر على حد سواء!
أما ثانياً، فإن رحلة الحياة لا تحتمل ولا تستقيم بلا هذا الشخص الذي نسميه صديقاً، فنحن نمرض ونتعب، ويحدث لنا الكثير من المواقف الصعبة، نقع في مشاكل، تعترينا الأحزان والهموم، لدينا تطلعات وآمال، نفرح، نركض، نسافر، نعيش غوايات ومشاغبات ومشاكسات ونريد في كل ذلك أن نتشارك اللحظات كلها مع شخص: قريب، عزيز، صدوق، متفهم، مخلص، ومصدر ثقة، هذا هو من ندعوه الصديق، وهذا ما نسميه الصداقة.
باختصار، الصديق هو الشخص الذي لا يمكن استبداله بأي شخص آخر، كما لا يمكن أن يقوم بدوره أي إنسان، والدور الذي يلعبه هو لا يمكن لآخر أن يؤديه، لأن الأدوار في كل الحياة موزعة ومقسمة بالعدل والتمام والكمال.
في الصداقة هناك أمر لا يتكرر ولا يعاش مرتين، أن يكون لك صديق عبر تاريخ حياتك كلها، صديق تاريخي، يرافقك في كل مراحل حياتك، وتعرفه كما تعرف نفسك، ويظل هو هو كما عرفته، حين تقاسمت معه طاولة الدرس وكراسة المدرسة وطابور الصباح، ومن ثم اللعب والشقاوات، الفشل والنجاح، الحاجة والاستغناء، العمل والمشاوير، الأسفار والرحلات و.... هذا الشخص الذي يبقى كما هو ويظل معك يتقاسم معك العمر والطريق، هذا الشخص نعمة من نعم الله والحياة والظروف التي لا تتكرر، فإن وهبتك الحياة صديقاً تاريخياً وصداقة تاريخية فتمسك بهما تمسك من يمتلك كنزاً وأكثر، لأن الدنيا التي نعيشها اليوم ما عادت تفعل ذلك.
ما عادت السماوات التي تظللنا مع آلاف البشر على استعداد لأن تؤلف نجماً ونجمة وتجمع الغرباء وتستخرج أجمل ما بدواخلهم بهدوء وعبر الزمن لتمنحهم فرصة المشاركة والصداقة الحقيقية، صار الأصدقاء كحجر الماس العصي على التكون حتى خلال الأزمنة، فالأزمنة القادمة تبدو صعبة جداً ومتعجلة قرارها وهروبها ومرورها وتفلتها من بين أيدينا، ماعادت الأيام حبلى بالصداقات وما عادت الأيام حبلى بالأصدقاء المدهشين كما في أيام سابقة، نحن محظوظون جداً بأولئك الذين مازالوا يسيرون إلى جانبنا نجدهم كلما التفتنا أو صفعتنا الحياة كعادتها أو أهدتنا الفرح المباغت، نتلفت فتلوح وجوههم راضية مطمئنة وصادقة، مؤمنة بنا وبكل الأيام التي جمعتنا،، يا الله ما أجمل الأصدقاء!!، فتحية لهم جميعاً.


ayya-222@hotmail.com