يعتقد البعض أن وظيفة الفن (السينما، المسرح، معارض الفن، حفلات الموسيقى، الرياضة.. وغيرها) تنحصر في أن تقدم التسلية وكل ما يمكن أن يدخل في دائرة الترفيه، لقد خرجت التسلية من كونها مصطلحاً يوحي بالخصوصية أو الفردية إلى اعتبارها جزءاً من ثقافة عالمية أو عولمية، ثقافة تعبر الكوكب من أقصاه إلى أقصاه لتوحد أشكال التسلية التي يمكن أن يفضلها الناس لقضاء أوقات فراغهم أو الخروج من حالات الملل والضيق التي يمكن أن يقعوا فيها. فأول ما يفكر فيه شاب يريد أن يقضي وقتاً ممتعاً مع أصحابه هو أن يذهب إلى السينما، ذلك يحدث في كل مكان في العالم، لقد تحول الترفيه إلى صناعة عالمية، أدرجت ضمن أهم الأدوات التنفيذية لمشروع العولمة.
السينما التي ينظر إليها على أنها واحدة من أكثر المتع انتشاراً واستحواذاً على الناس، نظراً لما تتمتع به من مقومات القبض على حواس المشاهد وذائقته، وتحديداً خاصية الصورة المبهرة، هذه السينما نحتاج لأن نتعامل معها باعتبارها ثقافة (حتى في إطار مشروع العولمة) أكثر منها مجرد تسلية، فالفيلم الذي نجلس مستلبين تماما أمام سطوة صورته وفنون إخراجه وعبقرية أداء ممثليه لا يمكن أن يمر على حواسنا وعقولنا وحتى أرواحنا هكذا مرور الكرام دون أن يترك بصماته علينا، إن الذين يصنعون فيلماً مدججاً بالأفكار والقيم والإشارات إنما يريدون في الحقيقة إيصال رسالة ما إلينا (وبالتأكيد فإنهم يريدون كسب الكثير من المال) !
المسألة أكثر من كونها مجرد تسلية، أو يمكننا القول إنها تسلية وأشياء أخرى أكثر أهمية، كل هذا خطر لي وأنا جالسة في قاعة سينما محلية منذ يومين أتابع بشغف أحداث الفيلم الفرنسي “المنبوذون” (Intouchables)، الذي يتطرق بشكل كوميدي إلى إشكالية الطبقية أو العنصرية في فرنسا، والنظرة السلبية تجاه الأفارقة الذين لا يزالون يمثلون إشكالية أمنية، تنظر لها الطبقة الأرستقراطية بفوقية وبريبة وعدم ثقة، ما يمنع تجسير الهوة بين الطرفين، وبالتالي الشعور بالنبذ والازدراء حيالهم، الفيلم يحاول أن يجسر الهوة ليقول بأن لدى هؤلاء المنبوذين أحيانا ما لا يمكن أن يتصوره بارونات المال والارستقراطيين الفرنسيين شرط أن نقترب منهم لنراهم على حقيقتهم.
إن فيلماً عالمياً كهذا بكل الزخم القيمي الذي يحويه والإشارات الثقافية التي يحملها، لا يمكن أن يترك مشاهديه دون أن يحفر عميقا في وعيهم قضية أكبر من التسلية، تلك هي قضية التأثير في الوعي والسلوك والقناعات والتوجهات الشخصية، لا يمكنك أن تكمل هذا الفيلم دون أن تحمل شعوراً إيجابياً مفعماً بالإعجاب والتعاطف تجاه “دريس باساري” الشاب الفرنسي ذي الأصول السينغالية، والذي جاء ليعمل مرافقاً صحياً لدى مليونير فرنسي مشلول تماماً، رغم خلفيته الاجتماعية التعيسة وسجله الإجرامي.
نحتاج أحياناً كثيرة لننظر إلى ما تحت الغطاء، وما تحت القشرة وما تحت الأقنعة والصور النمطية لنكتشف بعضنا، وهذه قضية وعي تحملها الصورة السينمائية تتجاوز مسألة الترفيه بكثير جداً.


ayya-222@hotmail.com