يعاد الكلام أحياناً لأنه بكل بساطة، يجب أن يعاد، لأنه لم يفعل الأثر المراد، ولأنه لم يصل، ولأن المشهد ما زال على حاله؛ لذا نعيد المشهد، ونعيد الكلام. ما زالت النار تتمادى، وكأنها تريد أن تغمر الأرض كلها، والموت أصبح أكثر سهولة.. جثث متفحمة من أثر رصاص البنادق والمدافع والقنابل، أطفال يوشك الجوع أن يفتك بهم، الفقر في مناطق شاسعة من العالم، نساء ثكلى، وأطفال على الطرق، يبكون ويموتون.. الجبار يمعن في تجبره ويذهب مباشرة إلى تشويه الحياة، ويوغل في تدمير الحرث والنسل. فيالق الموت العلني والمخفي لا تعير أي اذن لأصوات السلام.. خطوات الخوف والدمار والتسليح لمزيد من الخراب تتقدم إلى الأمام. يحدث هذا منذ أن سكب الدم الأول على الأرض.. يحدث بفعل الإرادة، وفعل الإنسان ذاته، وكأن الأرض قد عشقت شرب الدم، وأصبح مزاجها الذي لا يتغير؛ وهناك أحد ما تواطأ مع هذا العشق للدم، وأصبح نادل الأرض الأول الذي يسقيها الدم، فيما هي تجود له بالقوة كي يمعن في التدمير. ? ? ? ما يحدث في العالم من مشاهد الموت والخراب اليومي القريب جداً منا، والبعيد في زمننا، في التاريخ البشري، يؤكد تراكم الكراهية، تراكم عدم الوعي والإدراك، تراكم الإصرار على حقائق متخلفة وزائفة. وكأن خلاص الإنسان في يد شعب بعينه أو أمة بعينها أو تعاليم وأفكار خاصة لذلك الشعب أو تلك الأمة.. كأنه خلاصه في الماضي فقط، وكأن الإنسان أصيب بعمى البصيرة، ولم تتحقق له رؤية الجمال، وذهب إلى التعصب والتشدد، والتهم أفكار سلفه الشرسة حتى العماء.. حتى هذا الخسران الدائم لمعنى الحياة الجميل. ? ? ? هكذا ضاعت الحقيقة، ولم يعد الإنسان يرى إننا نمضي والحياة تستمر، وكل ما نحمله في رؤوسنا تحرقه الأيام، ولا يبقى منا سوى ذلك الأثر، الأثر الذي يجب أن نعمل على أن يكون مغلفاً بمحبة باتساع الكون، وألا ندع ذلك الذي حضنا وما زال يحضنا على حروبنا التي تحصدنا كل يوم، يتلذذ بموتنا. وهنا تطرح هذه التساؤلات نفسها: هل ندع ما أنجزناه ونحن في مسيرة تطورنا التي خلفت آلاماً ومآسي كثيرة ونذهب بعيداً؟ هل لنا أن نسرح في الوجه الجميل من الطبيعة؟ هل نؤمن ونطبق ثقافة جديدة تجعلنا نستمر حتى أرذل العمر بسلام ومحبة؟ هل تستمر الحضارات القادمة كدائرة تتسع وتحقق في اتساعها السلام والأمان، وليس حلقات وحقب فيما بيننا كبشر ننتقل معها من خسارات إلى خسارات؟ هل يمكن أن نصل إلى اتفاق حول قضايانا الثقافية التي نختلف على استيعابها.. هل لنا أن نقوم بتغيير التشنج والتعصب للفكرة، هل نحقق الحوار الحضاري فيما بيننا من دون إلغاء أحدنا الآخر أو التقليل من تجارب بعضنا بعضاً؟ ? ? ? ساعدنا أيها الحب على ألا ننهار في هذا القفر، دعنا نحدق في الجمال، لا تنكسر .. فقلبك رائع، وفي الشمعة المشتعلة فكر وحقيقة، كلنا نحبك ونعرف الصفاء الذي يسكن عيونك. saad.alhabshi@admedia.ae