نشوة تعتق من الشرور وتهذب مكامن الشروع والتشريع النفسي، نشوة تمتزج بالرؤى التي تتوق إلى الصفاء والنقاء، وتهذيب كل ما يشتق من الروح، نشوة تمتد إلى الروحانيات، يخالجها الإيمان بالحياة كلذة فطرية، كصفو النور يأتي معتقا بعد عناء الجسد، بعد غربة النفس وتراكمات الشهور، بعد آلية الحياة المتعبة، وما بين قسوتها وفرحتها يفد الشهر الكريم ليلج خاصيته المفعمة بتطهير النفس من كل الشوائب التي امتزجت بالدم فأفسدت خلاياه، شهر التطهير من الغرائز الهوجاء ليرد الحياة إلى هدوئها وإلى طبيعتها ورحيقها المعطر. فمن ثناء شهر رمضان الكريم تخفق خفقات القلب على النهج الجميل، وتورد الحياة إتقان الحق، وتشريع الصمت على الإساءات مهما بلغت، وتوفر السكينة والقيم على الصخب، شهر في نبضات القلب يمتزج بدوران الدم في الجسد، كأن يمزج بالعشق وبالطهارة النظرة المنفردة بالحياة انفرادا تاما. شهر يسكب أيامه وتفاصيله على الحياة، يضفي بألوانه الساحرة والمرشدة إلى التصافي والحب وزيارة الأرحام، يحمل جمع وريد الدم على مائدة شهية، كلها إصغاء إلى نداء الحق من أجل أن تمد أياديها في آن لهفة واحدة، مشهد ملائكي لأن الشبع يسبق الجوع والأيمان قد غذّى عناصر الجسد وبلل أواصل الروح. شهر يتلألأ في عين جوهرة، تبحث عن كنز لتنفرد بالنفس المطيعة، ولتصغي إلى الحواس حين تنبض، أليست له العظمة؟ شهر رمضان المبارك، وهو مالك كل الصفات الحسنة ومنفرد بكل تفاصيل الأيمان والحب والطيبة النفسية السلسة والعذبة، إنه الجوهر الذي تتوق إليه النفس. شهر الإطلالة الحالمة على الحياة النموذج، شهر إيقاظ الروح من ثبات مزمن يعتصر البشرية، يثقلها بشلالات الدماء من جراء القتال المتدفق بلا هوادة، شهر دائما ما يؤسس للفضيلة وتقدير الأفضل بالحياة، وينتهج الأجدر ويأخذ بيد الإنسانية إلى فضائها الرحب، فكثير من المعارك هدأت وتبددت بحضور شهر التسامح والمحبة. انه شهر يعود شغفا للمودة والخشوع، وهي الدروب الجميلة تعود والأماسي المنتشية بالشهر الكريم تضطلع في الابتهاج، لأن هدايا الشهر الفضيل وافرة ليست بقليلة، ومكانها القلب، ومحبة الله تعالى تستل من الشهر الكريم لتسلك مداها ونداها وهديها في النفس، شغف للسيرة العطرة للرسول الكريم ومواقفه وهديه للبشرية وكأن للشهر منظومة خاصة يبلغ المرء نحوها. هذا الشهر بشفافيته يعود ولنا فيه مبتغى وأحلام بجانب الطاعات والعبادات، تمتثل الأجندة بالقراءة لأن للكتب فصولها وامتثالها، وكثير ما تفضي القراءة إلى الكتابة، فالأفكار المتراكمة بحاجة إلى متسع من الإيمان حتى يتقدم الطلع وتشرق عليها الحياة، أيضا عطش النفس إلى الموشحات والاسترسال في خضم المنابع وفراتها العظيم، مما يسكب على الروح فضاء ثقافيا يجسده الشهر لغة بليغة وصورا إبداعية وقيما تاريخية تبدو في رحاب الشهر العظيم ذات نكهة ثقافية مهمة.