سأل الجنرال: هل بلغ عددهم المليون؟ أجاب مساعده: إلا قليلا... بحسبة بسيطة، فقد سبقتنا بورما إلى ميادين المليونيات على طريق الديمقراطية، منذ ثلاثة عقود... في فيلم “السيدة” The Lady يتتبع المخرج لوك بيسون مخاض الديمقراطية العسير في ذلك البلد الساكن على طرف قارة آسيا، على خطى سيّدة ضئيلة الحجم شاهقة الحضور، اسمها: أونغ سان سو تشي. “العمة سو”، كما يلقبها مواطنوها، هي ابنة مؤسس الجيش البورمي الذي اغتيل مع مجموعة من رفاقه عشية الخروج من تحت السيطرة البريطانية في يوليو 1948، فأصبح البلد محكوما من قبل العسكر. هذه الفاجعة سوف تبعد سو عن بلدها. عاشت في الهند أولا، ومن ثم انتقلت إلى بريطانيا، حيث درست وتزوجت الأكاديمي مايكل إيريس، وعاشت في أوكسفورد، ترعى أسرتها وتكتب مقالات عن بلدها، وتعكف على تأليف كتاب عن والدها. في العام 1988 سافرت إلى بورما لكي ترعى والدتها المريضة في مرقدها الأخير. هناك سوف تكتشف حقيقة بلدها المحكوم بأحذية الجنرالات الثقيلة. هنا، سوف تجد سو تشي نفسها، في موقف اختارته لها الأقدار وإرادة الناس، الذين سوف يدعونها إلى تولي قيادة الحراك الشعبي، بحكم ميراث الحب والتقدير الذي يكنه مواطنوها لوالدها الراحل. تقبل سو تشي المهمة. ومن هنا تبدأ لعبة الفيلم البارعة في اختراق عوالم مضمرة للبشر، الأنقياء والآثمين. يصنع المخرج لوك بيسون فيلمه وكأنه يكتب قصيدة حب، من أجل هذه المرأة التي تقود شعبها على طريق الحرية. يستلهم من معاناة الأسرة الصغيرة، الزوج والإبنين، تلك المشاعر الأسطورية نحو الزوجة والأم، المحتجزة خلف أسوار النظام القمعي. سوف يخوض الزوج مايكل إيريس مع إبنيه، معركته الخاصة من أجل زوجته ومن أجل شعبها، على السواء. وعندما تسد الأبواب في وجهه، ينظم حملة من أجل حصولها على جائزة نوبل للسلام. وعندما يوفق في ذلك، في العام 1991، كانت سو تشي تحت الإقامة الجبرية، فلم تستلم الجائزة فناب عنها ابنها. في رانجون، كانت سو تشي تخوض معركة ضد القهر الخارجي والإنكسار الداخلي في العاصمة المعتقلة. تحدت بإرادتها الصلبة وبوهج عينيها حراب الجنود، الذين حاولوا منعها من حضور لقاء جماهيري. لكن هذه المرأة المناضلة الصلبة، كانت تنهار في عزلتها المنزلية، حينما يتعلق الأمر بمنعها من التواصل مع أسرتها. زعيمة المعارضة التي تقلق الجنرالات، تصبح امرأة عادية، أم حنونة، وزوجة عاشقة متداعية في الأيام الأخيرة لزوجها المصاب بالسرطان. ما كان للفيلم أن يكون صادقا في تصوير مسيرة المناضلة سو تشي لولا الممثلة الماليزية ميشال ياو التي قامت بدورها. سوف يضعف من قدرها القول إنها تقمصت روح وعقل وعاطفة “العمة سو”. هي في الواقع تماهت مع الشخصية التي أدتها. تقول إنها شاهدت أكثر من مرة 200 ساعة تسجيلية للمناضلة البورمية. وعكفت على تعلم اللغة التي ستؤدي بها الكثير من المشاهد، خصوصا الخطابات الجماهيرية. وأنقصت وزنها عدة كيلوغرامات لكي تقترب من البنيان الجسدي للشخصية. وفي النهاية قدمت، مع المخرج، وثيقة بصرية وسياسية قلّ مثيلها عن شخص ووطن في آن، إلى الحد أن وزير الخارجية الأميركية هيلاري كلنتون طلبت مشاهدة الفيلم قبل لقائها زعيمة المعارضة البورمية العام الماضي. ينجز الفيلم مهمته قبل أن تنتهي القضية. سوف تعيش “العمة سو” عقدا آخر من السنين، قبل أن تخترق أسوار الحرية، مع الملايين من مواطنيها.. adelk58@hotmail.com