أينما كنت، فأنت مواطن برتبة سفير فوق العادة لوطنك، في تفاصيل تعاملاتك، في سلوكك مع الآخرين، وفي حركتك باتجاههم، وفي ذلك الانطباع أو التصور الذي تقدمه عن نفسك، أنت في كل ذلك تنقل وطنك للآخرين، وتقدم الصورة الصحيحة المفترض تقديمها، لذلك فإن علينا أن ننتبه جيداً، ذلك أن الناس مفتونون بالتعميم وميالون بطبعهم للأحكام الخاطئة، لسبب معروف، هو أنهم يحكمون بظواهر الأمور أو كما نقول في لهجتنا الدارجة “الناس عليهم بالظاهر”.
حدثني أستاذ جامعي عربي عن موقف حدث له مع مجموعة من الشباب الإماراتيين، قال إنه كان متوقفاً بسيارته أمام محطة بترول، وحين همّ بالرجوع إلى الخلف، كان هناك شباب يفعلون الشيء نفسه، فاصطدمت السيارتان، بهدوء نزل الأستاذ، متوقعاً أن يسمع سباباً أو على الأقل بعض الكلمات النابية التي عادة ما يسمعها من السائقين في شوارع بلده، ودول أخرى، لكنه كما يقول رأى شباباً مهذبين يخرجون من السيارة بهدوء، حيوه واعتذروا، ثم بادر أحدهم بإحضار المياه الباردة والعصائر حين تأخر حضور دورية الشرطة، قدموا له “الضيافة”، وتحدثوا معه بأدب جم، أصابته الدهشة، شكر ذوقهم، فقالوا له: “نحن نتعلم منكم الذوق يا دكتور”، فازداد حرجه وانبهاره.
ربما يعيش هذا الأستاذ موقفاً كهذا لأول مرة، لكنه أكد لي أنه طوال مدة تدريسه في جامعات الدولة، لم يرتكب معه أي شاب من طلابه أي نوع من الحماقات الطلابية، مثل التفوه بكلمة خارجة عن حدود اللياقة أو تصرف غير مرضٍ، حتى في الحالات التي كان يمنحهم فيها درجات متدنية، ثم قال معقباً: “أنتم رائعون يا شعب الإمارات، وتستحقون التحية فعلاً”، ذكرت له في المقابل مواقف حدثت لي اثناء أسفاري، وجدت فيها شبابنا مختلفين فعلاً، ومبادرين لمد يد المساعدة بأريحية وشهامة مشهودة.
أعتقد بأنك حين تتربى في وطن اعتاد فعل الخير، وتلبية نداء المساعدة للجميع في كل موقف، فأنت بالطبع ستكون جزءاً من هذه الثقافة، فالإنسان كما يتلقن مبادئ التربية الأولية والأساسية على يد والديه وأسرته، فإنه يتلقاها بالقدوة من كل الدوائر والحلقات الاجتماعية المحيطة به، هكذا نجد الإنسان الاوروبي مثلاً، حين يجد أن القانون فوق الجميع، وأن النظام سيد الموقف، وأن الأولوية في محطات القطارات والحافلات، وغيرها، لكبار السن والمعاقين، فإنه ينشأ على ذلك، فيصير احترام حقوق الكبار والفئات الخاصة ثقافة وسلوكاً اجتماعياً عاماً.
نحن نتربى على فعل الخير في كل لحظة من لحظات حياتنا، في المنزل التذكير بفعل الخير واجب يومي، الإحسان إلى الضعيف، احترام كبار العائلة وتقبيل رؤوسهم مشهد أساسي، الشهامة عند الشباب صفة ملازمة حتى وإن وجد من بينهم من يتصفون بالرعونة وسوء الخلق، وغير ذلك، فنحن نتحدث عن عموم سلوك مجتمع، وليس عن كل المجتمع، ذلك أنه من الصعب أن تجد مجتمعاً ملائكياً خالياً من العيوب والأخطاء.
هناك إقبال ملحوظ على مبادرات الخير في الإمارات، كما تشهد صناديق التبرعات المنتشرة في كل مكان إقبالاً واسعاً، هذه التربية العملية على الخير ومعاضدة القضايا الإنسانية طبعتنا جميعاً بشهامة لا تخطئها المواقف، متذكرين جميعاً قولاً خالداً للمغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان: “إن الله إذا منَّ على العبد بالخير، فلا بد عليه أن يستغله لمساعدة إخوانه”.


ayya-222@hotmail.com