الليلة قبل الماضية كنت في قاعة القادمين بمطار أبوظبي الدولي، والذي يشهد توسعات كبيرة لمواكبة حركة السفر والطيران المتزايدة، ويسعى بقوة إلى ترسيخ مكانته الإقليمية والعالمية في هذا القطاع المهم من قطاعات الاقتصاد. ويلاحظ المرء حجم الجهد المبذول من قبل الجهة المختصة بإدارته كي لا تؤثر هذه التطويرات المؤقتة على انسيابية الحركة فيه، ريثما يتم الانتهاء من مبنى المسافرين الجديد الذي تبدأ الأعمال الإنشائية فيه خلال النصف الثاني من العام الحالي، بعد أن تمت ترسية عقود بنائه على تحالف من شركات عدة، وبتكلفة تصل إلى نحو أحد عشر مليار درهم، وسترتفع القدرة الاستيعابية الإجمالية للمطار إلى 30 مليون مسافر سنوياً، عند اكتمال هذه المشاريع بحلول عام 2017.
وفي تلك القاعة، تتناثر أكشاك تحوي مجلات ومطبوعات متاحة للتوزيع مجاناً، وجميعها دون استثناء غير محلية، جلها باللغة الإنجليزية، ومن بينها اثنتان وضعتا على استحياء باللغة العربية، كما لو كانتا من باب رفع العتب. وخلال انتظاري هناك، تصفحت “الإنجليزية” منها ، فوجدتها مكتنزة “إعلانياً” على الرغم من خواء محتواها، بينما كانت “العربية” في حالة “أنيميا حادة” لدرجة الاحتضار، بصورة لا تختلف عن العديد من المطبوعات والمجلات المحلية المتخصصة، التي يعاني أصحابها لمواصلة إصدارها، بسبب غياب الإعلان منها باعتباره مورداً مهماً لأي مطبوعة.
وأكثر ما لفت نظري في تلك المطبوعة الصادرة باللغة الإنجليزية، أن معظم إعلاناتها من مؤسسات وطنية ودوائر حكومية، بينما تمسك هذه الجهات يدها عندما يتعلق الأمر بمطبوعة محلية بالعربية. ولا يقودك التفكير حيال هذه الحالة، سوى إلى اتجاه واحد، وهو دور الشللية والصداقات في الأمر. فالمطبوعات الأولى ليس لها أي وزن توزيعي يعتد به، حتى تبرر لها الاستئثار الإعلاني الملموس، بل منها ما لم أسمع به من قبل.
وواقع ما يجري في سوق الإعلانات، غير خافٍ على أحد، من سيطرة جنسيات أجنبية عليه، وتتوزع “الكعكة” والحصص عليها من موازنات شركاتنا ومؤسساتنا الوطنية. وبعد كل هذه السنوات والعقود منذ دخول الصحافة الحديثة إلى بلادنا، هناك غياب تام أو لنقل تغييب كامل للكوادر المحلية عن هذا المجال الذي تركوه بإيراداته وحصصه لعناصر من جنسية واحدة معروفة بهيمنتها على هذا القطاع، فيضخ هؤلاء منه ما يريدون لمن يريدون، لتعيش بعد ذلك الوسائل المحلية تنتظر ما يجود به هؤلاء عليها، على الرغم من أن الفئات المستهدفة أصلاً في السوق هي الفئات المواطنة والعربية، وتعد الأكثر إنفاقاً. واستسلمت كل وسائل إعلامنا، دون استثناء، لهذه الحقيقة وسلمت بها. كما اكتفى بعض “كفلاء” وكالات الإعلان التي تعد من اللاعبين الرئيسيين في الميدان، بدور” الكفيل النائم” الذي يحصل في آخر كل عام على حصته المقررة له من “الدسم الكامل” للميزانيات الإعلانية والعمولات المترتبة عليها. معادلة خللها واضح للعيان، وشواهدها غير خافية علينا، ومع هذا لا يوجد تحرك لتصحيح ذلك الواقع، بما يعزز الطابع المحلي للإعلام والإعلان الإماراتي.


ali.alamodi@admedia.ae