عرفتها قبل أكثر من 20 عاماً، كانت سيدة شابة جميلة، لديها طفل وبالكاد تخوض تجربة زواجها الثاني، بذاك الزواج كانت في تلك السنوات تخوض معترك حياة مختلفاً بعض الشيء، الزوج يكبرها بكثير والمكان لا تعرف فيه أحداً، وكانت تتسلح بمعنوياتها العالية وروحها الجميلة، ومواهب حرفية كانت تتقنها ربما بالتعلم وربما بالتدرب وربما بالفطرة، فالحياة تمنحنا بعض القوى الخفية لأنها تعلم أقدارنا جيداً، وما قد نحتاج إليه، ليس أكثر مباغتة من مفاجآت تختبئ لك في ممرات العمر الضيقة، لكن رائحة الروح حين تكون نقية، كافية لكي تجعل النور ينهمر في تلك الممرات، مع بعض الآلام طبعاً! افترقنا، والتقينا كثيراً خلال هذه السنين الطويلة، تأرجح بنا العمر، وتنقلنا وكبرنا، وسافرنا وتعرفنا وعرفنا، تألمنا كثيراً وضحكنا من قاع القلب، وتغيرنا أيضاً، ويا لكثرة ما اكتشفنا، ظل على التباعد وفي التقارب بيني وبينها خيط رفيع يشدنا، فنلتقي على غير اتفاق ومن دون موعد، أجدها كما تركتها وربما تجدني هي كذلك كما عرفتني في المرة الأولى، لكن أعظم اكتشافاتنا هي أنفسنا، اكتشاف الجانب الآخر من شخصياتنا، حين عرفتني كنت معلمة تاريخ وكانت زوجة تجابه مجتمعاً وعائلة وظروفاً صعبة، بعد سنوات عدنا فالتقينا، كنت قد صرت كاتبة عمود صحفي أدعي الشهرة، وكانت قد أصبحت موظفة في إحدى المؤسسات الحكومية الكبرى، بينما ذاك الولد الصغير الذي لطالما اندس خلفها ممسكاً بعباءتها يدرس في الولايات المتحدة الأميركية، تغير الزمن؟ نعم جرت تحت الجسور مياه أخرى! وعدنا وافترقنا ثانية، ودخلنا في متاهات أخرى، كان من بينها شبكة الإنترنت ومواقع التواصل، وكنت قد كتبت كثيراً عن تأثيراتها وانعكاسات هذه المواقع على حياتنا وعلاقاتنا، حتى بدت تلوح صفحة مميزة باسم هو بالنسبة لي حمَّال أوجه لسيدة تتعاطى التجارة وتتعامل مع كل مستجدات الإعلام الاجتماعي، وتصف نفسها باعتبارها صاحبة مؤسسة ومتخصصة في العطور ومدربة أيضاً، وفوق هذا وذاك شابة إماراتية، استلبني الاسم لأنه عنى لي شيئاً، وبطبيعتي فأنا مستلبة أمام كل منجز مختلف لكل إماراتي وإماراتية، فتابعتها وتابعتني وتبادلنا السلام والتحايا والكلام، ولم يدر في خلدي أنها هي! ألح علي هاجسها حين أنصتُ لقصيدة يلقيها والدها وضعت له تسجيلاً على صفحتها وذكرت اسمه كاملاً، شهقت بفرح، إذن هذه هي مرة أخرى، ولاح عطر لقاء جديد، طلبت أن تتصل بي، فاتصلت بعد 10 دقائق ربما، وبين الضحك والفرح والمفاجأة عاد حبل الكلام ممدوداً بيننا كحبل ياسمين وزنبق وعطر خزامى وكل الروائح التي صارت تعمل فيها، وحين سار الحديث في دروبه بين أسئلة كثيرة وإجابات بلا نهاية كشطآن بعيدة منسية، عرفت أشياء أذهلتني، أفرحتني، وأمعنت في إسعادي بشكل حقيقي، خلال أكثر من 7 سنوات لم نلتق، تعبت هي خلالها كثيراً، مرضت وتعافت ثم مرضت، وسافرت، وذرعت إمارات الدولة ومناطق الخليج كلها تبحث عن حكاية تعنيها وأولعت بها، حكاية العطر والرائحة وعلاقة المرأة بكل ذلك! سافرت فرنسا ودرست في هذا المجال، زارت المدن والقرى والمصانع، قرأت وكتبت، وغيرت عملها وافتتحت عملاً خاصاً بها، وصارت معلمة ومدربة في مجال العطور، وحين دهشت قلت لها أشعر بأنني أتحدث إلى شخص أعرفه وأعيد اكتشافه، فقالت: (وأنا الظروف أرتني الجانب الآخر المجهول من نفسي). ayya-222@hotmail.com