لو أني أملك قلباً كقلوب النساء، الغارفات وجداً، الناضحات دفئاً وعطاء، لاحتضنت العالم وطهرت دماءه من الشعواء والعشواء، وفضحت الكذابين والأفاقين والدجالين، وقلت هذا مسليمة وذاك ابن ميمون وذلك من فصيلة الدهماء، ورجمت ألف شيطان، وشيطان، وقلت يا كنود ويا شنئان، الفضيلة أن نحفظ أنفسنا من الغواية والوشاية، وأن نحفظ الأوطان من كل ضال، وقوال، ومتقوِّل، وأن نقول هذا الغاوي الواشي، من سلالة أبي لهب لكنه اعتنق الرقص على الأكفان وبات متضوراً، ثملاً برائحة الدم الأقحوان، يحصي أعداد الموتى، كمن يعد أصابع يده في ساعة النسيان يساوم الله والناس بعقيدة ويظن أن العقيدة، حجر في الميزان، ويظن أنه يملك الصكوك والحقوق، ويظن أنه معصوم فلا حساب ولا حسبان. لو أني أملك سحر سليمان، لأمسكت بالعصا، وقلت دعوا الحقيقة تخرج بيضاء من غير سوء، من غير أهواء وأدواء وبلواء، وغرابيب سود، وجاهرت بكل فصاحة وحصافة، بأن الحب لا ينحو في أوطان عرَّتها رياح البؤس والرجس، والنحس، والشقى العنود، والنعي الشرود، والكاره اللدود، والحاقد النمرود، والساخط المكدود، والساقط المقدود، والساذج المحدود، وبحت بالقول المفنود والرأي المحمود، بأن العالم لا تصلحه حمقى ولا رقطى، العالم يحتاج إلى لون البحر، ورائحة الورد، ورحابة الصحراء، وبريق السماء، وحكمة الفلاسفة والعلماء وفطنة الحكماء. لو أني أملك قدرة النخلة على الإخضِرار، لاسكنت في كل قلب نخلة ولوَّنت قلوب النساء والأطفال والرجال، بلون الجَمال، ونسخت من عمر الورود، رائحة تعم الصحارى والبحار والجبال، وأخذت من معين المحيطات سفناً تسافر في الأرجاء برسالة مفتوحة في داخلها، أربعة حروف من حروف الهجاء الألف واللام، والحاء، والباء، وعلى كل حرف زجاجة عطر من أرقى عطور النساء، وبين كل حرف وحرف، خريطة لكل الأوطان، تضاريسها من عيون الأطفال، بلا دموع ولا أشجان ولا أدران ولا أحزان. لو أني أملك قدرة الغوَّاص تحت الماء، لأسرجت خيول معرفتي وطفت في الأعماق بأشواق الذاهبات عشقاً للبلل بلا جلل، ولا خلل ولا كلل، ولا ملل، وألقمت كل من لا يملك صبراً، حجراً، ورميت التاريخ المؤدلج بالعفونة والرعونة بوابل المطر، لتغرق تجاويفه وتخاريفه ومجاديفه، وتكاليفه، وتآليفه، وتحاريفه، وأغسل وجه العالم، من زيف وحيف، ورجف، وسخف، وكلف، وأسف، وخف، ونسف، ليعيش الناس جميعاً بلا قِددٍ ولا سهد، ولا صهد، ولا كد ولا كدر، وينجو الأطفال من التعب والسغب والشغب، والنكب، والصخب، والجدب، والخطب، والكذب، لينجو الأطفال ممن قيل إنهم من الصفوة والنخب. علي أبو الريش | ae88999@gmail.com