تزعمت ذلك الماء الفاتر على أساس أني دائماً ما أتبع حمية غذائية كعادة الأثرياء، ولا أحب أن أخبّص في الأكل، وللمحافظة على سلامة الشعب الهوائية، جلست، وبدأت أتصفح الصحف الإنجليزية أولاً، باعتبار أن الصحف العربية تأتي في المقام الثاني، ما يميز الطائرات الخاصة أنك لن تسمع تلك الأسطوانة القديمة والمكررة لاتباع اجراءات السلامة، والتي عادة لا ينصت لها المسافرون، ويشكون كثيراً في قدرتها على إنفاذهم ساعة الخطر، والمضيفون يقومون بها أمامهم بفتور واضح، هي تحيات سريعة، وعرض موجز من قبل “الكابتن” عن الارتفاع، والمسافة، والسرعة بالأميال التي لا أفقه فيها شيئاً، لكنها حظيت بهزات من رأسي أكثر من مرة، حلقت بي الطائرة لأول مرة في حياتي وحيداً، لدرجة شعرت فيها بالوحشة، لكن المضيفة الرشيقة، والتي لا تضطر لقطع أمتار كثيرة، هي كراسي معدودة، ومذهبة، وغير جالبة للمل، والخدمة الراقية واضحة، ولكم كان تأسفي كثيراً حين أبصرت قائمة الطعام، وتمنيت لو أنني لم أتريق نهارها، قضيت الست ساعات بين تصفح مجلات لا تعني لي شيئاً خاصة باليخوت، والعمل على الكمبيوتر، وكأني أوحي للآخر أنني أراجع دراسات جدوى أو أدقق في رسوم بيانية، غير أنني في الحقيقة مهتم بعمل لا يخص من يركبون مثل تلك الطائرة، كانت المضيفة مهتمة، وتسأل كل ربع ساعة، كنت أبادلها الحديث مع قهوة “اسبريسو، سنكل شات”، أو أحكي لها عن شغفي بمدن العالم، ونتشارك الرأي في بعضها، مع احتساء ماء غازي، تعافه النفس في الأيام العادية، نتحدث عن خطوط الموضة في خريف وشتاء هذا العام مع حبتين شوكولا سويسرية، وإذا بالساعات تنقضي سريعاً، وكأنك لم تركب طائرة، في الأسفار العادية يسدنا تعب المطارات فقط، حلّت الطائرة في مطار نابولي، ونزلت بذلك الطقم الأبيض الرياضي الإيطالي، والذي تبدو علامته التجارية واضحة للعيان، بحيث أن أول من سيستقبلك، سيقول: هم.. دائماً هكذا لا يرتدون إلا الأشياء المريحة، ومخطئ من يظن أنها ليست غالية جداً، إن لم تكن “محدودة” أو مصنعة شخصياً لهم، نزلت وقلت لن أتلفت يمنة ويسرة، وكأني مثل ذلك الشخص قبل عشرين سنة حين نزل مطار ليوناردو دافنشي في روما، ولا يعرف أحداً، كانت نظرة للأمام، ومليئة بالثقة التي يمكن أن يهزها أي خطأ، ولو كان بسيطاً، لكن فوج من النساء العاملات في المطار، كان في استقبالي، بحيث خفت على جواز سفري من الضياع بين أيديهن، حفّت بي المستقبلات، وأنا أتعمد الحديث معهن بهدوء، وبنبرة واضحة، لكنني أستطيع أن ألتقط ما يقوله بعض المسافرين العابرين أو العاملين في المطار الذين رأوني أنزل وحدي من الطائرة، بعضهم شك أني مهرب عتيد، بعضهم اعتقد أنني آت لنابولي ليومين لخوض مباراة غولف.. والحديث طويل ناصر الظاهري | amood8@yahoo.com