أراد جعفر البرمكي يوماً حاجة كان طريقه إليها على باب الأصمعي، فدفع إلى خادم له كيساً فيه ألف دينار، وقال له: سأنزل إلى الأصمعي، وسيحدّثني ويضحكني. فإذا رأيتني قد ضحكت فضع الكيس بين يديه. فلما دخل رأى جَرَّة مكسورة العُروة، وقَصعةَ مُشَعَّبة، ورآه على مُصَلَّى بالٍ، وعليه برَّكان أجرد، فغمز جعفر غلامه بعينه ألا يضع الكيس بين يديه، ولا يدفع إليه شيئاً. فلم يدع الأصمعي شيئاً مما يضحك الثكلان والغضبان إلا أورده عليه، فما تبسَّم جعفر. فقال له إنسان: ما أدري من أي أمرَيك أعجب: أمِن صبرك على الضحك وقد أورد عليك ما لا يُصبر على مثله، أم من تركك إعطاءه وقد كنتَ عزمتَ على إعطائه؟ قال جعفر: ويلك! إني والله لو علمتُ أنه يكتُم المعروف بالفعل لما احتفلتُ بنشره له باللسان. وأين يقع مديحُ اللسان من مديح آثار الغنى على الإنسان؟ فاللسان قد يكذب، والحالُ لا تكذب، فلستُ بعائد إلى هذا بمعروف أبداً! وكان جعفر متمكناً عند الرشيد، غالباً على أمره، واصلاً منه، وبلغ من علو المرتبة عنده ما لم يبلغه سواه، حتى إن الرشيد اتخذ ثوباً له زيقان، فكان يلبسه هو وجعفر جملة، ولم يكن للرشيد صبر عنه، وكان الرشيد أيضاً شديد المحبة لأخته ابنة المهدي، وهي من أعز النساء عليه، ولا يقدر على مفارقتها، فكان متى غاب أحد من جعفر والعباسة لا يتم له سرور، فقال: يا جعفر، إنه لا يتم لي سرور إلا بك وبالعباسة، وإني سأزوجها منك ليحل لكما أن تجتمعا، ولكن إياكما أن تجتمعا وأنا دونكما، فتزوجها على هذا الشرط. وحكي أن أبا عبيد الثقفي كان عند جعفر فقصدته خنفساء، فأمر جعفر بإزالتها، فقال أبوعبيد: دعوها عسى يأتين بقصدها لي خير، فإنهم يزعمون ذلك، فأمر له جعفر بألف دينار وقال: نحقق زعمهم، وأمر بتنحيتها، ثم قصدته ثانياً فأمر له بألف دينار أخرى. وحكي أن جعفر اشترى جارية بأربعين ألف دينار، فقالت لبائعها: اذكر ما عاهدتني عليه أنك لا تأكل لي ثمناً فبكى مولاها وقال: اشهدوا أنها حرة وقد تزوجتها، فوهب له جعفر المال ولم يأخذ منه شيئاً، وأخبار كرمه كثيرة، وكان أبلغ أهل بيته. ابن الرومي: لا تحسبْ المعروفَ لا معنى لـــــــه إلا نوافـــــــــــــل حمده وثنــــــاه فلقد ترى المعروف يحسن عند من لــــــــــــم يصطنعه وحمده لسواه Esmaiel.Hasan@admedia.ae