إليزابيث جيلبرت كاتبة أميركية مرت بتجربة زواج فاشل مع زوجها المحامي، انتهت بالطلاق، وبالكثير من الاحباطات وحالات الاكتئاب المرضية، كانت تصحو ليلاً في آخر فترات العلاقة مع زوجها لتغلق على نفسها باب الحمام، شعور غريب الغثيان يملؤ كل جسدها، ورغبة هائلة في البكاء، هناك ألم شديد يحطم هذه المرأة دون أن تدري ماهيته تحديداً بالرغم من توافر كل شيء حولها وعلى ما يرام وكما تتمنى أية زوجة تقرر ان تحيا مع زوجها حياة أسرية ناجحة، ماذا جرى إذن ؟ لماذا كل هذا التخبط ؟ تقول ليز في مقطع من الكتاب: “البشر ولدوا مع قدرتين متساويتين على الانقباض والتمدد، فمكونات الظلام والنور موجودة بشكل متساوٍ لدينا جميعاً، ويعود إلى المرء (أو العائلة أو المجتمع) القرار بغلبة أحدهما على الآخر: الفضيلة أو الرذيلة ، الخير أو الشر، ومعظم الجنون الذي يسود هذا الكوكب ناتج عن صعوبة توصل الإنسان إلى توازن مع نفسه، فينتج عن ذلك الفشل في التوصل للإجابة الصحيحة هذا الجنون الجماعي والفردي على السواء”، ولذلك وفي لحظة بين المرض والوهن والرؤية وجدت اليزابيث المخرج، كضوء بعيد في آخر نفقها الذي تتخبط فيه !! الضوء إشارة الى استنارة العقل في مقابل ظلمات الجسد التي نغرق فيها، فتطغى الوساوس والشهوات والأطماع والتفاهات على كل شيء فينا وحولنا، نصير غرقى دون ان ننتبه، تلتهمنا الدوامة دون أن؟؟؟؟ أحد الى حالة الغرق الجماعية هذه، الكل غارق في الضجيج، والكآبة والجشع، والذاتية المطلقة، ولا خلاص، وهنا لا يخلصك الا نور البصيرة، الذي يشع كبرق في ليلة شتاء قاسية، ساعتها فقط نرى كل ما حولنا في وهج ذلك النور الخاطف ولو للحظة، لكننا نراه بشكل واضح. البحث عن الطمأنينة، والتوازن النفسي كان هو المخرج والعلاج لهذه المرأة المحطمة، وفجأة تقرر ان تسافر الى إيطاليا وبلاد أخرى بحثا متواصلا عن جوهر هذا التوازن، تحت مظلة قديمة رفعت ليز رأسها واعلنت لأصدقائها انها قررت مواصلة دروس تعلم اللغة الايطالية، وكانت تتوقع الاسئلة، والسخرية والاستهجان، لماذا ولأي سبب ؟ وفي هذا العمر ومالفائدة ؟ وأسئلة أخرى كان من الصعب وجود إجابات مقنعة، فاصدقاؤها لا يسألونها ليعرفوا ولكن ليعيدوها الى ظلماتها السابقة. تقول ليز في مقطع آخر “ قال لي أحد النسّاك منذ مدة: “مكان استراحة العقل هو القلب، كل ما يسمعه العقل طيلة النهار هو قرع الأجراس والضجيج والجدل، وكل ما يحتاج إليه هو السكون. والمكان الوحيد الذي يجد فيه العقل السلام هو داخل هدوء القلب ذاك هو المكان الذي تحتاجين الذهاب إليه”. لأجل التمسك بجذوة ذلك الضوء الذي رأته في لحظة عبور وخلاص، قررت أن تجيبهم بالتالي: لست بحاجة لتبرير اي شيء، فربما لو قلت اني سأتعلم الرقص لن يسألني أحد، أنا أريد ان أتعلم الايطالية وهذا يكفي لأتعلمها دون ان اكون ملزمة أمام أحد بتقديم تفسير ما، وبالفعل حزمت حقائبها وانطلقت الى روما، لتعيش تجربة ثرية بدأت بالطعام في ايطاليا والتعبد في الهند، وانتهت بالحب في جزيرة بالي، هذا ما روته اليزابيث جيلبرت في كتابها “طعام، صلاة، حب”. عائشة سلطان | ayya-222@hotmail.com