في خضم الحراك والمبادرات التي تطلقها الدولة وتحث عليها القيادة الرشيدة لا تزال لغتنا العربية خياراً إضافياً وهامشياً في العديد من المؤسسات الدوائر والهيئات الحكومية الاتحادية والمحلية، على الرغم من أن توجيهات رئيس الدولة واضحة وضوح الشمس بالحفاظ على اللغة العربية واعتمادها لغة رسمية في جميع المخاطبات في المؤسسات الحكومية، ولعل خطاب التمكين الذي أطلقه “حفظه الله” قبل ست سنوات تقريباً أبلغ تعبير عن قيمة الحفاظ على الهوية الوطنية، منطلقاً من أن اللغة العربية هي أحد مكونات التراث والهوية الوطنية التي لابد من تعزيزها والحفاظ عليها.
أكد رئيس الدولة “حفظه الله” ضرورة الحفاظ على الإرث الحضاري الذي غرسه القائد الوالد، وهو حب الوطن الغالي، والتمسك بهويتنا الوطنية، والابتعاد عن كل ما يمس ويتعارض مع تراثنا وثقافتنا العربية والإسلامية، وأن مواكبتنا لمتطلبات العصر لا تعني مطلقاً تفريطنا بقيمنا ومبادئنا وموروثنا، فنحن نأخذ بكل مقومات التقدم لنواكب العالم، ولكننا نحرص في الوقت نفسه على التمسك بشخصيتنا وهويتنا وأصالتنا.
وعلى صعيد الحكومة أكد قرار مجلس الوزراء اعتماد اللغة العربية لغة رسمية في المخاطبات والمراسلات، بل امتدت مبادرات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم للعديد من المؤسسات الحكومية، فأطلق مبادرة الحفاظ على اللغة العربية وتعزيزها بالمدارس، وتقوم وزارة التربية حالياً ببلورة المبادرة لتطبيقها، وفي كل مناسبة لا تفوت القيادة الرشيدة الفرصة لتأكيد ضرورة الحرص على هويتنا ولغتنا، كما سارت الحكومات المحلية على نهج الحكومة الاتحادية بضرورة اعتماد العربية لغة رسمية في التخاطب والمراسلات.
ولكن وعلى الرغم من كل تلك التوجيهات والبرامج والفعاليات لتعزيز دور اللغة العربية وإعطائها مكانتها اللائقة في المجتمع، خاصة في المؤسسات الحكومية، لا تزال بعض المؤسسات بعيدة كل البعد عن كل ذلك الحراك، وكأنها تعيش في كوكب آخر أو دولة أخرى، لا تعنيها التوجيهات والرؤى التي ترسمها القيادة الرشيدة، فتعمل بمعزل عن كل ذلك الحراك والحرص من القيادة على إبقاء لغة “الضاد” في المقدمة وأن تكون لها الأولوية والريادة.
والأدهى من ذلك أن بعض مؤسساتنا الحكومية تذهب في الاتجاه المعاكس تماماً، ولا تكتفي بأن تجعل اللغة العربية في آخر اهتماماتها، بل باتت تسقطها من حساباتها أصلاً.
إن زيارة واحدة لبعض مؤسساتنا الحكومية بشقيها الحكومي والمحلي كفيلة بكشف درجة الإهمال واللامبالاة التي تعامل بها اللغة العربية، لتصبح لغة ثالثة أو رابعة، كما أن كل المخاطبات والرسائل والتعاميم وغيرها من الأمور الإدارية لا تكتب إلا باللغة الإنجليزية، وبرامج تلك المؤسسات لا تعتمد اللغة العربية أساساً، فأي معاملة لابد أن تكون باللغة الإنجليزية.
ما دفعني إلى التطرق لهذا الموضوع الذي كتبت فيه سابقاً إعلان لجهة حكومية خدمية لا غنى لأي مواطن عنها تطلب فيه وظائف، حددت في طلبها البراعة في اللغة الإنجليزية شرطاً أساسياً، فيما ذيّلت إعلانها بمتطلبات منشودة هي البراعة في اللغة العربية.

m.eisa@alittihad.ae