تتوقف في مدينة "جوانجتشو"، وتذهب للصلاة في مسجد "هوايشينج" والتي تعني "الحنين إلى النبي"، وثمة لوحة معلقة على المدخل منقوش عليها بالعربية "هذا هو أول مسجد في الصين بناه سيدنا وقاص"، الذي يقال إنه حكيم عربي جاء للدعوة للإسلام مبكراً في زمن ما من عهد أسرة "تانج" (618-907م)، وتستمع بعد ذلك الى الإمام المسن الذي يحكي لك قصصاً عن كل الرحالة والتجار العرب الذين وطأت أقدامهم هذه الأرض، تشعر بالخشوع عندما تسمع همهماتهم وصلواتهم، وتلاوة القرآن بتلك الأصوات الشجية، تشعر ببرودة ذلك الركن الذي تقبع فيه وحيداً، تشعر بالألفة لأولئك "الهوي" لأنهم ينحدرون من العرب الذين جاؤوا إلى هذه البقاع قبل مئات السنين، تستعيد كل تلك الأساطير حول وصول العرب إلى هذه البقاع حتى قبل الإسلام، قصص لقدماء التجار العرب يرويها هؤلاء "الهوي" لأنهم يعتبرونهم أسلافهم وأجدادهم الذين جاؤوا مع الفتح الإسلامي ليشكلوا اليوم نحو 9 ملايين نسمة، يشعرون بالفخر ويتمسكون بما بقي من تقاليدهم التي تشكل عرقهم، فهناك غيرهم من 9 عرقيات مختلفة يدينون بالإسلام، إنهم من الأويجور والقزخ والقرغيز والتتار والأوزبك والطاجيك ودونجشيانج وسالار وباوآن، ليشكلوا مجتمعين نحو 18 مليون مسلم، في بلد عدد سكانه يقترب من المليار ونصف المليار من البشر.. قصص الكفاح التي مر بها تاريخ المسلمين في الصين التي يرويها لك أحدهم لأنه مقتنع أنك لابد أن تعرف تلك المعلومات التي لا تتذكرها بسبب تشابه الأسماء وتشابكها بدرجة معقدة، يحملك مسؤولية نشرها ليعلم بها غيرك من العرب حتى يشعروا بالفخر، لأن أسلافهم بنوا حضارة عظيمة امتدت بين الشرق والغرب، تشعر بنوع من الخزي، لأن تلك الأمة العظيمة لم يبق منها إلا الأطلال، ولأن أبناء تلك الحضارة لم يعد بينهم من يفتخر بمنجزاتها، فيما لا يزال هؤلاء القوم يفتخرون بها، ربما لأنهم لا يعرفون ما تعرف، تتقوقع على نفسك وتشعر بالغرابة وبالسخرية من نفسك، لأن هؤلاء القوم يشعرون أن لك نوعاً من القداسة لأنك تذكرهم بأسلافهم الذين جاؤوا من الصحراء العربية، يذكرك ذلك بالوطن، فتشعر بالحنين إليه، وتفكر في الرحيل، في العودة الى الوطن، لكن شيئا ما يجعلك تبقى لأن رحلتك لم تنته بعد، ولم يحن الأوان للعودة إلى الوطن.. تعود إلى سخريتك من نفسك، لأنه لن يقال عنك إن عربياً حكيماً عاش بينهم في يوم ما، فأنت لم تقدم لهم شيئاً، بل إنك مجرد عابر سبيل متطفل، وليس لديك هدف أو عمل تقوم به سوى الانتظار البائس، وأنت تمضي الأيام الرتيبة المتثاقلة في هذه المدينة.. rahaluae@gmail.com