هناك أشياء مشتركة بين الفنان الضاحك وحيد سيف، وزميله خفيف الظل نبيل الهجرسي، فمسقط رأسهما الإسكندرية، وأبصرا النور في عمر متقارب، حيث ولد وحيد عام 1939، وولد نبيل عام 1937، يمتازان بخفة ظل فطرية، ويضحكانك دون أن ينطقا بكلمة، وحيد درس التاريخ والتمثيل، ونبيل الفنون التطبيقية، جاءا إلى القاهرة، وكانت انطلاقتهما الفنية منها، وأضاف الموت شيئاً مشتركاً بينهما، حيث توفيا في يوم واحد، وحيد عن 74 عاماً، وسيدفن في الإسكندرية، بينما الهجرسي توفي عن 76 عاماً، وسيدفن في القاهرة. لعله خبر محزن حينما تودع الضحكة التي طالما أفرحت قلبك، أو حين تبكي الضحكة التي كانت تدخل السعادة على نفسك، ووحيد كان من عفويته قادراً أن يسرق منك أحزانك ليعوضك عنها بابتسامة أو ضحكة من الخاطر، كانت له إطلالة تسبقها الضحكات من الناس دون أن ينطق بشيء، وله حضور فكاهي يخاف منه زملاؤه، ولكن في الوقت نفسه ممثل درامي قدير، يمكنه أن يتقمص الشخصيات النمطية ويبرع فيها، ويضيف إليها من فهمه لنفسياتها وطريقة تفكيرها، لكن غلب عليه التمثيل الكوميدي، وأحبه الناس من خلاله في التلفزيون أو السينما أو المسرح، والحال نفسه ينطبق على نبيل الهجرسي الذي كان يمثل بوجهه كثيراً، وله لزمات و«قفشات» لا يمكنك إلا أن تضحك منها، ولعله بدأ بأداء المنولوجات الفكاهية، وارتبط اجتماعياً بالفنانة إسعاد يونس، ثم حدث الطلاق بينهما، وكان آخر نشاط قام به الهجرسي قبل أن يفرق الحياة احتفاله بخطوبة ابنته، من مفارقات حياة الفنانين المرحين أنهم يشهدون نهايات محزنة، فكل ممثلي الكوميديا في مصر والذين توفوا في الفترة الأخيرة، وفي أوقات متقاربة، كان المرض والعوز وضيق ذات اليد، بحيث يعيشون معاناة أمراضهم لسنوات قبل أن يسقطوا (يونس شلبي، جورج سيدهم، سيد زيان، فؤاد خليل، عبدالله فرغلي وغيرهم)، والنقابات المهنية تصيح من حالها وأحوالها، ووزارة الثقافة تجذبها البهرجة، وحفلات الافتتاح، وميزانياتها لا تشمل علاج فنان أعطى حياته لفنه، وأضحك الكثيرين، وشرّف الوطن، واليوم مع التوجه الجديد وتأسلم مصر كلياً، وتحجب مؤسساتها، ربما دعا «الإخوان» على الفنان بتعجيل رحيله على ما اقترف من إثم التشخيص، فالفنان قبل سنوات كان لا يعتد بشهادته في المحاكم، وأراها قادمة هذه الفتوى قريباً من قبرها الذي دفنت فيه نهاية حكم الأتراك. وحيد سيف، ونبيل الهجرسي، رحيلكما أحزن أفراداً كثيرين في بيوت الوطن العربي، فلطالما كنتما مصدر بهجتهم، وسبباً لسعادتهم من حياتهم المطحونة، وجلاء همهم المعيشي اليومي، كنتما بسمة دائمة، وضحكة متنقلة، يكفي أن يتذكركما المرء، فيفرح قلبه، ويبتسم ثغره، لكما الرحمة.. وأجر ما أسعدتم قلوباً، وانتشلتموها من غمها وهمها، غير أن ما يحزن كثيراً أننا نبكي الضحكة طويلاً أو نودعها الوداع الأخير بدمعة. ناصر الظاهري | amood8@yahoo.com