كتبت عبر هذه الزاوية ذات مرة عن صورة من صور”التجربة والتطبيق” في أحد مستشفيات هيئة الصحة بأبوظبي عندما جرى “خلط العنابر”، ولم يعد هناك فرق بينها، الرجالي والنسائي، فبرر مسؤول فيها الخطوة بأنها من” المعايير العالمية” الجديدة التي قاموا بتطبيقها قبل أن يتم التراجع عنها فيما بعد. توقفت أمام تعليق الرجل وأمثاله ممن لا يرون من “المعايير العالمية” إلا جوانب دون سواها، ربما تكون ملائمة في مجتمع كمجتمع الإمارات و قد لا تكون.
استعدت تلك الواقعة، والسجال يحتدم ويتواصل إثر إعلان نتائج الصف الثاني عشر، وخلو قائمة العشرة الأوائل من طلاب مدارس أبوظبي. وارتفعت حرارة السجال ليتحول إلى محاكمة لأداء المجلس خلال السنوات القليلة الماضية، رغم أن ذلك الغياب يعد للعام الثاني على التوالي. وأرجعه مختصون في الميدان التربوي والتعليمي لما سموه معايير عالمية يلتزم بها ويطبقها المجلس لجهة “الاهتمام بالتعليم التفاعلي” و”الابتعاد عن أسلوب” الحفظ والتلقين”، و”التقييم المستمر” الذي يتبع، وبموجبه يحدد التقييم 40%من إجمالي درجات الطلبة، بينما تحدد امتحانات الورقة الامتحانية للفصول الثلاث الـ60%الأخرى. وفي فورة حماس كل فريق وتعصبه لوجهة نظره ذهب الجدل باتجاه عقم أسلوب”العشرة الأوائل” في التقييم الدقيق لمستوى الطالب الدراسي والعلمي. وهم يتناسون أن تكريم الأوائل كان دائما من صور التقدير للمجتهد والتحفيز لغيره ليرتقي بأدائه.
وقد كنا لدى إعلان النتائج الأسبوع الفائت مع صور من هذا التقدير والتكريم بمبادرات عدة في مقدمتها مكرمة قائد المسيرة خليفة الخير بتكريم الأوائل الذين حرص نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي على الاتصال شخصيا بهم لتهنئتهم بما حققوا من تفوق وإنجاز.
ومهما كان الجدل، فإن العبرة تقاس بالنتائج وتقييم كل تجربة رهن بالقطاف وثمار الحصاد، والعملية التربوية والتعليمية عندنا، ورغم تعدد الإرهاصات والمخاضات، ما زالت تواجه ذات التحديات في مخرجاتها عند الصف الثاني عشر الذي يعتبر عنق زجاجة العملية برمتها، حيث يطغى التوجه نحو” الأدبي” والابتعاد عن “ العلمي” بصورة واضحة، ومغايرة لاستراتيجيات وخطط الدولة نحو اقتصاد المعرفة وتوفير مخرجات تلبي احتياجات سوق العمل، ننظر لأبعادها ليس الاقتصادية فحسب، وإنما الديموغرافية أيضاً وإسهامها على المديين المتوسط والبعيد. لا مجرد تجارب تلتهم الموارد والإمكانات حتى الصف الثاني عشر، ويتعثر طلابها بعد ذلك عند أبواب الجامعات.
إن الجدل الواسع الذي ترتب على إعلان نتائج الصف الثاني عشر منذ الأسبوع الماضي، يفترض النظر إليه من جانبه الصحي، وما يعبر عنه من رغبة في توظيف أمثل النماذج والمعايير لصالح بناء أجيال المستقبل، من دون تلك الحساسية تجاه أي نقد، واعتقاد بأن القائمين على التجربة والمحاولة هم المستهدفون. وما يعنينا جميعا نتائج تلك المحاولة والغاية منها لتوفير مستوى تعليم راق يرتقي بالطالب ويعده الإعداد المناسب لخدمة وطنه ورد الجميل له.


ali.alamodi@admedia.ae