الأحلام والأمنيات تشبه البذور الصالحة للزراعة التي سرعان ما تهتز اخضراراً، بمجرد أن تدسها يد حانية في المكان والوقت المناسبين، أتساءل أحياناً كثيرة كم كيلوجراماً من البذور نظل نقبض في أيدينا لا نلقيها في أرضها الصحيحة، ولا نذروها في الهواء، فتحملها أي ريح إلى أي أرض، علها تصادف دفئاً يبيح لها فرصة الحياة، كلنا من دون استثناء نقبض أيدينا على حلم أو أمنية لا نفتح أيدينا لفراشات الأحلام كي تطير بعيداً، لكننا نظل نقبض بقوة ظناً منا أن الفراش يمكنه أن يعيش في الظلمة وفي الضيق، ربما لو فتحنا أيدينا يوماً لن نجد من الفراشات سوى بقايا لون، كان فيما مضى حناء للأجنحة الطرية!
نؤجل أحلامنا بانتظار يوم ملائم، بانتظار وقت مناسب، بانتظار عمر آخر أكثر هدوءاً، وأقل تعباً ومسؤوليات، مع أنه لم يقل لنا أحد إن الإنسان يمكنه أن يعيش عمرين أو أن بويضات الأحلام قابلة للتجميد أو أن الزمن يمكن أن يتوقف كما في أفلام الأطفال، كل منا له حلم مؤجل، مشروع مؤجل، رغبة مؤجلة، يمر العمر، تنسكب الأيام الحبلى بالبهجة والعنفوان، يتبدد الوقت والرفاق والأحباب، واليد ما زالت مقفلة على حلم، ننسى أنه حتى الأحلام لها تاريخ صلاحية، وبأنها تفسد مع الزمن ولا تعود صالحة، أو ربما لا نعود نحن صالحين!!
بعض الأمهات يؤجلن فرحهن حتى تنتهي مهماتهن الرسولية في الحياة، تكاد الأمهات أن ينسين تماماً أنهن من جنس البشر لا من جنس الملائكة، وأن من حقهن اللحاق بغواية بتلك الأحلام المشروعة (السفر، إكمال الدراسة أحياناً، البدء في مشاريع صغيرة،...) تصر الأمهات على أن الأمومة عذر شرعي لتأجيل كل شيء حتى يكبر الأطفال، وينضج المراهقون، وينتهي الشباب من دراساتهم، ثم يتوظفون ويتزوجون ومن ثم سيفرحن معهم أخيراً، أحياناً تؤجل بعض الأمهات حلم الاستمتاع حتى بأبنائهن، ولا يفقن إلا بعد أن يغلق الصغار غرفهم موغلين في عوالم أحلامهم الخاصة، تاركين غرف المنزل مظلمة تصفر فيها الرياح!
أعتقد بصدق أن الأحلام يمكن أن تؤجل، لكنها كأي سلعة في هذه الحياة يمكن أن يصيبها العطب أو يصيب صاحبها العطب، فأنت لا يمكنك أن تستمتع بالتفاصيل في أي وقت أو في أي عمر، شهقة الدهشة ليست متوافرة في كل لحظة، رغبة المغامرة لا ترافق العجز والمرض والانشغال، الانقياد لغوايات الاكتشاف والمعرفة والضحك لا ترافقنا كل العمر، تأتي لحظة نعرفها جميعاً، حين تسحب الأماني المبهجة يدها من أيدينا فتتفرق بنا الطرق، ويذهب كل منا في طريق..
فإذا انكر خل خله وتلاقينا لقاء الغرباء
ومضى كل إلى غايته لا تقل شئنا فان الله شاء

حين أتأمل النساء والرجال الكثيرين هنا أسمع إلى تأوهات قلوبهم، وهم ينظرون إلى اطمئنان الشباب في صمتهم وحركاتهم، فأشعر بألم من يعترف بأنه فوت على نفسه الكثير من دون أن يقبض على شيء، ظل يؤجل، ويؤجل بانتظار اليوم المناسب ليزرع البذرة التي بين أصابعه في موسمها المناسب، يمر العمر وهو يرقب المواسم بانتظار موسمه هو، لا يأتي الموسم، ولا تبقى البذرة على حالها، فمن كان له حلم فليبذره ويعشه سريعاً... فكل المواسم برسم البذار!!



ayya-222@hotmail.com