جمهورية مالي الواقعة شمال غرب أفريقيا، وذات الأغلبية المسلمة من سكانها، تعد واحدة من أفقر دول العالم، وفي بلد كهذا يقل متوسط عمر الفرد فيه عن 50 عاماً، ويموت نحو نصف أطفاله حديثي الولادة، قبل أن تفتك الأوبئة والأمراض بالآخرين، آخر ما يحتاج إليه ظهور جماعات تتاجر بالإسلام وترهب الآمنين.
في ذلك البلد الصحراوي المنهك، وصاحب أطول حدود مع دولتين عربيتين شقيقتين، ظهرت مجموعة إرهابية تعتاش من خطف السياح وعمال الإغاثة، وعندما استقوت زحفت لتستولي على مناطق من البلاد حتى وصلت إلى مدينة “تمبكتو” التي تعتبر العاصمة الثقافية والتراثية لمالي، وتضم مزارات ومكتبات تحوي كنوزاً تاريخية لا تقدر بثمن. وكان أول عمل تقوم به تدمير تلك المزارات، في جريمة استنكرها المجتمع الدولي، واعتبرها من جرائم الحرب، التي ذكرتنا بما فعلته عصابات “طالبان” في أفغانستان قبل عقد من الزمان، عندما دمرت تماثيل”بوذا” في باميان. وذكرتنا كذلك بما قام به إرهابيو حركة “الشباب” في الصومال.
شراذم تظهر في بعض البلدان الإسلامية، وتتسبب في تشويه قيم الوسطية والاعتدال التي يقوم عليها دين الحق وتؤكد التسامح والتعايش. ففي عهد الفتوحات الإسلامية حرص الفاتحون على عدم هدم أي معلم من معالم الحضارات التي سبقتهم في البلاد الجديدة أو إيذاء من آثروا البقاء على دينهم، فكيف بتدميرها وسفك دماء الأبرياء فيها؟!.
إن ما جرى في تمبكتو من تدمير مزارت تاريخية على يد تلك المجاميع الملتاثة والمهووسة بسفك الدماء، ليس إلا صورة من صور إفلاس أمثالهم ممن يستغلون الإسلام، ويتاجرون به، من دون أن يقدموا لشعوبهم أي برامج تنموية شاملة ومتكاملة لتحريرها من الفقر والجهل والمرض. فقد رأينا أعمالهم في أفغانستان “طالبان”، و”صومال الشباب”، و”أنصار الشريعة” في جنوب اليمن، وغيرها من مجتمعات ابتليت بهؤلاء الإرهابيين. ممن تسببوا أيضاً في نشر أفكار وصور مغلوطة عن دين الحق الذي يصون الإنسان وكرامته وحياته، ويرى فيمن قتل نفساً بغير حق كمن قتل الناس جميعاً.
وما جرى في المدينة المالية المعروفة بمدينة الـ33 مزاراً لصالحين، وكانت العاصمة التاريخية القديمة للبلاد، يعد صورة من صون جنون التطرف الذي بات يزحف في مناطق عدة من عالمنا الإسلامي، والذي يزدهر في بيئات الفقر والبطالة والتهميش وغياب التنمية الحقيقية الشاملة.
إن تدمير مزارات تاريخية في مالي على يد حفنة من الإرهابيين والمحسوبين على الإسلام يذكرنا من جديد بالحاجة إلى تعاون الدول الإسلامية والعربية لتجفيف منابع الإرهاب والتطرف، ومواجهة أمثال هؤلاء من المتاجرين بالدين، وسبيلهم الوحيد القتل والتدمير وترويع الآمنين. خاصة أن جرائمهم لا تقتصر على مكان أو حيز جغرافي معين، فالإرهاب وجرائمه باتت عابرة للحدود، وتهدد أمن واستقرار المجتمعات كافة، والشواهد عديدة من بلدان غير بعيدة عن الجوار سواء في منطقتنا الخليجية أو حتى في شمال أفريقيا!.


ali.alamodi@admedia.ae