كيف تتحول الموجة البيضاء، عُشبة البحر، إلى سلاح أبيض يقتتل به من ساطهم الجهل، وخالجهم الظن بأنهم يعيشون في مناطق ما قبل فراغ القيم والأخلاق النبيلة التي تحلى بها أبناء الإمارات. هناك شك في التربية، وريبة في الانتماء، ومرية في علاقة الأشخاص بالدين الإسلامي الحنيف وتعاليمه السمحاء في حل الخلافات بين الناس مهما كبرت وعظمت فصولها وتفاصيلها.
ظاهرة التقاتل بالسلاح الأبيض أو الأسود أصبحت مفزعة ومنفرة وتشيع غمامة على إدراك الإنسان لما يحصل، لأن هذا المجتمع مجتمع السلم والأمان، وما تعود أهله على هذا العنف وهذا الخسف الأخلاقي الذي ألم ببعض شبابنا، والذين أضحوا يجوبون بعض الشوارع باحثين عن مشكلة يركبون عليها عقدهم النفسية، سوء تربيتهم ورداءة أخلاقهم.
عندما يشهر إنسان سلاحاً في وجه إنسان، فمعنى هذا أن لغة الحوار ماتت ودفنت في قبور الجهل، والجاهل ليس من لا يقرأ ولا يكتب، وإنما هو من يفقد الصلة الواضحة مع نفسه، ويشعر بأنه في غيبوبة، ما يجعله في حالة عمى بصر وبصيرة، فلا يرى الآخر، وعندما يحتقن ويتشنج ويشتد وجيب العصبية لديه فإنه لا يجد من لغة غير لغة اليد المملوءة بالسلاح.
هؤلاء الأشخاص يعانون سوء تغذية أخلاقية، أنيميا تربوية، وتجتاحهم حالة من التشظي في المشاعر، فهم لا يفندون بين الحقيقة والخيال، هم يعيشون ما بين البين في المنطقة الرمادية من الواقع، وبالتالي فهم لا فرق لديهم بين إراقة الماء أو الدماء، فالأمر سيان لديهم. ما يحتاجه هؤلاء ردع أخلاقي مشدد وفي غاية القسوة، وما يحتاجه المجتمع هو إعادة ترتيب الأولويات، فلا يجوز البتة أن تترك مثل هذه الحالات شاردة واردة، ولا تقع المواجهة إلا عندما تحصل الكوارث.
مجتمعنا الذي يرفل في الحياة الهانئة، مجتمعنا الذي يعيش في حفل حضاري بهيج يستحق أن نحافظ عليه بكل الوسائل وألا ندع مثل هذه الظواهر تفرض سطوتها وسيطرتها على مشاعر الناس. مجتمعنا يستحق منا جميعاً، ليس رجال شرطة وأمن، بل كل الناس أن يكونوا على أهبة الاستعداد في مواجهة أي انحراف عن صراط الحياة الاجتماعية التي هي سمة الناس وأهل الدار، هي الشيمة التي يتمتع بها أبناء هذا البلد الذين علمهم البحر كيف يطأون صهوة الموجة، وعلمتهم الصحراء كيف يخبون على كثيبها. أبناء هذا البلد الذين استخدموا السلاح الأبيض لترويض حطب التنانير، لا للعبث بالأمن وترويع الناس.. أبناء هذا البلد ربطوا حزام السعي من أجل كسب أكسير الحياة، وليس للتسكع في الأماكن العامة، وإزعاج الناس، وإثارة الضجيج في وسط اجتماعي آمن مستقر مطمئن.
نقول لأولياء الأمور راقبوا الأبناء، فإنهم لبنة الأوطان، ولا تدعوهم نهباً لنوازع شبابية قد تطيح بهم في غياهب، وقد تفتك بحياتهم وبعد ذلك لا يفيد الندم ولا تنفع الحسرة. علموهم كيف ينتمون إلى هذا الوطن وكيف يحبون الانتماء إلى الآخر.


marafea@emi.ae