أسوأ أو ربما أصعب ما يمكن أن يواجهه كاتب مقال يومي حين يجد نفسه غير قادر على العثور على فكرة أو موضوع يصلح لمقاله أو لكتابته اليومية، وبعيداً عن الفلسفة و”الحكي” الكثير فأنا الآن في هذا الموقف، أتذكر عشرات الكتاب الذين تحدثوا عن ورطة الكتابة اليومية ومأزق التفتيش اليومي عن فكرة قابلة للتطويع والتحويل لتصير قابلة للقراءة، ولا يهم إن اتفق عليها الناس أو اختلفوا فالناس عادة لا يتفقون على شيء، لكن ما يهم من وجهة نظري أن تكون الفكرة قابلة للنقاش وتشكل اهتماماً لمجموعة منهم أو على الأقل تلفت نظر بعضهم، أما الرضا والغضب فآخر ما يجب أن يهم الكاتب، لأنه لو ظل مصوباً عينيه وحواسه على مزاج الناس ورضاهم فلن يكتب شيئاً حسب اعتقادي.
أن تكتب للناس ومع الناس ومن واقع الناس لأن لديك قضية تؤمن بها وتعيش لأجلها شيء، وان تكتب لمجرد الكتابة والتواجد والشهرة ولتوافق مزاج الناس وتتلمس طرق إعجابهم بك وإقبالهم عليك لا أكثر ولا أقل فذلك شيء آخر تماماً لا يدخل في أخلاقيات ومنطق وحضارة الكتابة، وإن كنت أظنه شائعاً في بعض الكتابات أو نوعاً من الكتابات وخاصة تلك التي تعج بها كثير من صفحات الصحافة الفنية والرياضية والنسائية واحياناً السياسية والثقافية، فقد تخصص البعض في الكتابة التي تشبه الماء في الأواني المستطرقة، كتابة تتشكل بحسب الجو والمزاج والمصلحة !!
إن هذا النوع من الكتابة أو الكتاب لا يتعسرون في الحصول على فكرة أو موضوع لمقال يكتبونه، فالأفكار الجاهزة والمستهلكة والتي لا لون ولا طعم ولا موقف لها كثيرة جداً وأكثر “من الهم على القلب” على رأي الأخوة المصريين، الذين يعانون من تعسر الفكرة أو صعوبة الحصول على موضوع صالح للكتابة هم فئة من الكتاب اما أن يكونوا واقعين تحت ضغط ظرف معين فالسفر على سبيل المثال يوقعك في هذه الورطة في أيامه الأولى قبل أن يفتح لك نوافذ الرؤية والمتعة لاحقاً، وعدم تواصلك مع الناس والعالم لسبب ما وكذلك التعب الشديد يجفف في داخلك الرغبة في الكتابة والتدفق المطلوب لها، أما عناد الفكرة فحكاية أخرى، خاصة حين يكون إحساسك بمسؤولية الكتابة كبيراً جداً!
تستعصي الفكرة على الكاتب احياناً، وكلما حايلها هربت وتسللت من ثقوب ذاكرته وحروفه، فلا يملك لها سبيلاً، والفكرة إن لم تشغل الكاتب الى درجة الوسوسة بها فإنها لا تكون فكرة جديرة بإسالة الحبر عليها، مع ذلك فهناك أفكار لا تنتهي مهما كتبت فيها وعبرت عنها، لذلك تتولد منها وعنها أفكار اخرى، ويجوز تناولها من عدة زوايا شرط أن تكون الفكرة الأساسية واضحة وتشكل للكاتب هاجساً يمكنه ان يطرق أبوابها الألف ساعة يشاء، ومن أمثلة هذه الأفكار: تطوير التعليم، المشاركة، الوعي، مشاكل الثقافة، اشكالية الهوية .... وغيرها. !!
اكتب لكم هذا لا تحايلا على الكتابة ولكن لأن فكرة بعينها لم تراودني هذا اليوم الذي بدا لشدة بهائه واعتدال هوائه عصيا على ان يقدم لي فكرة مثيرة أو جدلية، لا شيء سوى الهدوء والتأمل في تأثير المناخ على مزاج الناس، فالحرارة تعكر وجه الصغير وأعصاب الكبير وتجعل كل شيء يبدو مستفزا مع استحالة رؤية اي شيء جميل حتى وان كان جميلا بالفعل !!!


ayya-222@hotmail.com