إذا صادفت صورة لمارلين مونرو بلباس البحر، تستغرق في قراءة كتاب بين يديها.. فأين سوف تستغرق أنت: في استشفاف القارئة أم في استكشاف الكتاب؟ كنت أتابع كتابا صدر حديثا في لندن بعنوان “المرأة القارئة” The Woman Reader، تستعرض فيه مؤلفته بليندا جاك، عبر العصور والأمكنة، اتجاهات القراءة عند النساء: ما الذي يجذبهن وما الذي ينفرهن؟ هل يدفعهن الرجل إلى هذا العالم أم يعوقهن؟ الكتاب شيّق في استشهاداته واستعراضاته من الثقافات والحضارات، لكن القراءة فيه لا بد أن تتوقف عندما تعرض لك مثل تلك الصورة. مارلين مونرو، النجمة الشقراء، ساحرة كل الرجال، الرؤساء منهم والأنذال، تستغرق في كتابها بما قلّ ودلّ من ملابس. تبدو وكأنها نموذج المرأة القارئة. تنتبه لهذه الفكرة عندما تلاحظ عنوان الكتاب: “عوليس” Ulysses. تلك الرواية المركبة، المعقدة، التي اقتضت من مؤلفها جيمس جويس سبع سنوات لكي ينجزها، وصرف صديقنا صلاح نيازي سنوات لكي يترجمها ويكشف عورات ترجمات الآخرين لها. الفاتنة الشقراء، تزعزع بصورتها المثقفة، ميراثا هائلا من الافتئات على نظيراتها. فقد جرت العادة على وصمهن بالسطحية، والتفاهة، والغباء. وتلك تهمة، لا يمكن تبرئة السمراوات من حبكتها. وتغزر النكات حول البلاهة المفترضة عند الشقراء. فواحدة تأخذ معها كأس ماء فارغ وآخر مليء عند النوم، لأنها أحيانا تعطش وأحيانا لا.. وأخرى أوصت بالهاتف على “بيتزا” فسألها البائع هل يقطعها 4 قطع أم 6 قطع، فاختارت الأربع لأنها لا تستطيع أن تأكل ست قطع. وعلى أي حال فإن النكات تظل أسهل من الواقع. فإذا كانت أمامك سيارة تتردد، وتتلجلج، وتندفع ثم تنكفئ، وتضيء إشارة اليسار ثم تنحرف إلى اليمين، فاعلم إن من تقودها امرأة شقراء، أو رجل يفكر بامرأة شقراء، أو سياسي عربي معارض.. يبدو إن الندرة هي العامل الأول في ارتفاع قيمة الشقراوات، فأعداد الأصيلات منهن لا يتجاوز ثلاثة ملايين بين ستة مليارات نسمة في الكرة الأرضية. وهن سوف يواجهن بعد عقود مصير الديناصورات. فبحسب دراسة لمنظمة الصحة العالمية، فإن الجين المسؤول عن ولادة أصحاب وصاحبات الشعر الأشقر في تناقص مستمر. وسيشهد عام 2200 ولادة آخر شقراء (أو أشقر) في فنلندا. لكن الرجل العربي، تجاوز هذه المحنة منذ عصر بشار بن برد، الذي تغنى بالسمراء: وغــادة سـوداء براقــة كالماء في طيب وفي لين كأنها صيغت لمن نالها من عنبـر بالمسـك معجـون وبعده كتب عبدالله الفيصل، وغنى عبدالحليم حافظ: سمــراء يا حلـم الطفولـة يـا منيــة النفــس العليلـة كيف الوصول إلى حماك وليــس فـي الأمــر حيلــة لكن نزار قباني، سوف يتجاوز هذا الحزن البليغ في غناء “العندليب الأسمر”، عندما عقد لها ديوانا كاملا بعنوان “قالت لي السمراء”، وخاطب سمراءه بقصيدة حفظها عن ظهر قلب، كل المفتونين بالبشرة التي لوحتها الشمس “..............”. تبقى صورة مارلين مونرو علامة على المرأة القارئة والمقروءة. ليست المسألة هنا أن تكون شقراء أم سمراء. وليست المسألة أن تكون ملابسها خفيفة أم ثقيلة. فالمهم هو ما الذي يصنع عقلها؟ ذلك هو السؤال الذي تحاول المؤلف بليندا جاك الوصول إلى إجابة عنه.. وتلك إجابة محفوظة في عقول السمراوات على ما يبدو، أما إذا أتتك من شقراء من طراز مارلين مونرو، فلا تحزن ولا تبتئس وظن خيرا ولا تسل عن الخبر... adelk58@hotmail.com