أظن أن الرواية العربية بعد جيل الستينيات قد تعددت واتسعت أشكالها وأنواعها وأقطارها. وقد كان أول ما لاحظته في هذا الاتجاه أنه لم يعد هناك قطر عربي يخلو من الإبداع الروائي. وكانت أقطار الخليج آخر الأقطار العربية التي لحقت بموجات الإبداع الروائي، ولا أدل على ذلك من السعودية التي لم يلحق فيها جيل تركي الحمد بتيارات الإبداع الروائي فحسب، بل تزايدت معدلات الإبداع الروائي بعد ذلك في أجيال عبده الخال وغيره من المعاصرين له. وثاني ما لاحظته تصاعد رقم كاتبات الرواية من الأجيال التي جاءت بعد جيل الستينيات على نحو متزايد. وإذا توقفت عند السعودية مرة أخرى، أجد أجيالا عديدة من الكاتبات السعوديات اللائي جئن بعد رجاء عالم التي حصلت على جائزة (بوكر) على إنتاجها الذي يتميز بالأصالة. وسرعان ما ظهر بعدها كاتبات عديدات، أضفن إلى غنى الرواية العربية وجسارتها. وطبيعي أن تجد العديد من الشعراء الذين ينتقلون إلى كتابة الرواية لأسباب متعددة، وأبرز وآخر من أعرف في هذا المجال عباس بيضون الشاعر اللبناني وأمجد ناصر الشاعر الفلسطيني. أما الأشكال والتقنيات فيمكن الحديث عنها بما يملأ مجلدات. حتى الحداثة التي كان يباهي بها أنصار طريقة إدوار الخراط في الكتابة الروائية، فقد تجاوزتها روايات ما بعد الحداثة التي أعدّ منها رواية إبراهيم فرغلي “أبناء الجبلاوي”. وهي رواية لها نظائر موازية في التقنية، لا أجد المساحة كافية لاستيعابها. حسبي القول إن روايات ما بعد الحداثة تنطوي على المزيد من الديموقراطية الأدبية التي تسمح بتجاور النقائض. الظريف أن مراجعة الرواية العربية، حسب تعاقبها التاريخي، تؤدى إلى نتيجة لافتة، تتمثل في أن كل جيل كان يريد أن يجسّد في الرواية همومه العامة والخاصة. كان جيل ثورة 1919 في مصر يريد تحقيق الاستقلال الذاتي على مستوى الفرد والاستقلال التام على مستوى الوطن، في الوقت نفسه الذي كان يؤسس لدولة شعارها “الدين لله والوطن للجميع”. ولذلك كان كتاب الرواية من أبناء هذا الجيل يجمعون بين المسلم والمسيحي. وكان نجيب محفوظ التلميذ الوفي لجيل ثورة 1919 يتحدث عن شخصيات مسيحية ذات وجود فاعل في الثلاثية، دون أن ينسى بالطبع المعادل الروائي لسلامة موسى الذي ترك فيه أعمق الأثر. وعلى العكس من هموم محفوظ، نجد أن الهم الأساسي لكتّاب الرواية في جيل الستينيات هو القمع. القمع بمعناه السياسي، سواء في العهد الناصري أو الساداتي. ومن هنا كانت قيمة رواية بالغة الأهمية مثل رواية “الزيني بركات” أو “وقائع حارة الزعفراني” أو غيرهما. وكلاهما نوع من الرواية يوازي في هم قمع السلطة الرواية المواجهة للقمع الديني. والمثال الواضح في هذا المجال رواية “الزلزال” للطاهر وطار بشخصيتها الأساسية الشيخ بو الأرواح الذي تولد منه إرهابيو تيارات الإسلام السياسي في الجزائر. وإذا كانت رواية وطار تقوم بدور الريادة في مواجهة القمع الديني، فإن روايات واسيني الأعرج تؤدي الدور نفسه عند الجيل اللاحق الذي تولى ريادة الرواية الجزائرية.