ترتشف قهوتك وترتاد صباحك الباكر بهدوء. تود لو تبحث في غور مدينة تزخرفها الحدائق، ولها خصوصية مختلفة، ولها مداراتها.. فيما تمر نسماتها الباردة كأنها تمسد على وجوه النساء المخملية.. كأنما تعقد وفاقاً مع المارة و أحاديثهم المؤجلة. تستقرئ صمتهم الغائب.. وفجأة يهمس رذاذ المطر ليغسل الممرات والشوارع ليوحي بأنك في مدينة لندن ذات الورود المتجمدة وحلقة البحث عن حديقة مشمسة متجلية بالروح فلا تحيد بالنظر عن الحديقة الخضراء ولا عن حديقة الهايد بارك قلب لندن النابض بهدوء فمنها تتألف المدينة وتنفصل في مساعيها المختلفة. ترى من خلالها مدينة متسعة بالحياة والخيال، منداة بالمطر، مطهرة بماء الورد، مسكونة بالفرح و رقص الورى. يخالج فضاء الروح أن هذا مما يميزها كمدينة منتشية تولد من خلال اللحظات وتسترسل بعيداً جداً ومن خلال جذور حضارتها المتجددة ولها فيها مكاسب تاريخية تنبش ذاكرة الزائر وتحررها من جمود الوقت. متحف الشمع بمثابة التاريخ الذي يحاور وجوهاً لا تنسى، وجوهاً تسترسل حياتها أمام جمود الزائر.. وجوهاً تمثل بحروف مضيئة مضت وبقت شعوب تمضي عبر الحياة والأسس والمثل والسطور التي تجسد المواسم والسنوات وتخط تعاقب الحياة؛ فما اجملها من السطور التي تخط التاريخ وتكتب بماء الذهب خيوطه. مدينة متشحة بالرغبة الجامحة، فلا أشهى من مساراتها العريضة.. ومقاهٍ تختزل تاريخ الشعوب وصور معتمة تحكي من هربوا من أوطانهم وغربتهم.. وجوه تبدو بائسة أشقاها الدهر والعذابات المقيمة في مدينة لندن.. وبالذات شارع اجوررود، وجوه عربية لها كالمعتاد غربة الزمن والحياة ومنها وعليها الخوف ولكن تحلو لها المدينة ولا تنتظر مداً يجرفها إلى حكايات العرب القديمة وهي لا زالت ممعنة بالماضي غير معنية بالقادم. أمام جسر لندن الشهير ترتشف فنجاناً آخر وأمامك أوراق قديمة تحاكي نهر التايمز ودفاتر تتساءل ما يعنيه هذا الجسر الأثري الذي أنشئ على انقاض ماضيه الخشبي وتمدد منذ تلك اللحظة يعتقل الأفكار ويوحي بالكثير عن حالة المدينة عبر التاريخ و على مر العصور.. مدينة مبللة ومثقلة بالحياة وبالوقت. لم يكن شارع اكسفورد ليهدأ أمام تجليات الليل والنهار ولا تلك المباني القديمة التي تترسب أمامها خطوات المارة، تتهافت خطواتهم إليه وتحتشد وجوهم في مظهره، و تسكن الحياة بعنفوانها، وتقيم في جوهره المعالم والحراك.. شارع يشهد أسطول حافلات لندن وتدفقها وأسطول “تاكسيها” القديم الممتع.. شارع يصعد إلى قلب الزمن. لندن متشبعة من حيث المعالم وسلالم المجد.. من حيث الفنون العريضة والتمسك بالماضي، و رغم فضائها القديم إلا أنها تنسج عصرها بلغة جميلة ولا تغيّب مجدها.. بل يستشف القادم كيف تترجم الثوابت بنجاح.. دوران الحياة حولها لا يمر إلا عبر صحوها وخيالاتها المتسعة عبر ثقافتها ومكوناتها.. إنها لندن القديمة الجديدة الحديثة والمتعنونة بكل فضاءت الحياة من مكتبات ودور نشر ومؤلفات قيمة وثرية.