المشهد الأول :
يعتبر الخليجيون من أكثر الشعوب استخداما لتقنيات الاتصال الحديثة، وهو أمر إيجابي في ظاهره، فحسب معايير التنمية البشرية يعتبر هذا دليلا على تطور المجتمع وتمتع أفراده بحرية الاتصال وحق الحصول على المعلومات، لكنهم حين يتواجدون معا في مقهى أو مطعم أو جلسة عائلية، فإن استخدامهم اللافت للهواتف الذكية يبدو مثيراً للاستغراب وموتراً للأعصاب، فكل الجالسين ملهوون بمتابعة شاشات هواتفهم دون أدنى اهتمام للآخرين، وحين تكون في مقهى أو فندق أوروبي فإن أغلب من يستخدم الموبايلات وأول من يسأل عن توافر شبكة إنترنت هم الخليجيون، فعلام يدل ذلك يا ترى : على تواصل فائق المستوى أم متابعة مبالغ فيها للمستجدات، أم على اللامبالاة بمن معنا؟!
المشهد الثاني:
اقطع اتصالك بمن ليسوا معك لتتواصل مع من حولك، هذه واحدة من أكثر العبارات الدقيقة وذات الحمولة التعبيرية المكثفة والتي صادف أن شاهدتها كشعار لحملة تلفزيونية نظمتها إحدى الجهات المدنية في إحدى الدول لتشجيع الناس على التواصل مع من حولهم أولاً، فالقاعدة التي تقول “ حب نفسك لتتمكن من محبة الآخرين “ قاعدة سليمة 100% ويصح على طريقتها أن نقول أيضاً تواصل مع القريبين والمحيطين بك أولا ولا تنشغل عنهم بالتواصل مع الآخرين بينما هم في صحبتك، حيث لا يبدو الأمر مقبولاً ولا منطقياً أن تتناول طعامك مع أسرتك لمدة ساعة تقضي ثلاثة أرباع الساعة تتحدث إلى صديقك مثلاً حول العمل أو أي شأن آخر.
المشهد الثالث:
مازال مشهد الرجل الذي يصر أن تقابل المرأة التي بصحبته ( زوجته، أخته، أمه) الحائط أو تعطي ظهرها للناس في المطعم أو بهو الفندق حتى لا تواجه الناس أو الرجال مشهداً مستفزاً بالفعل، لقد ظلت تلك الفتاة - التي تبدو كطفلة بالفعل نظراً لحجم جسدها النحيل وإعاقتها الظاهرة - تتناول وجباتها في مطعم الفندق مواجهة للحائط لأكثر من أسبوعين لأن الرجل الذي معها لا يريدها أن تقابل الرجال، وبينما كانت تواجه الجدار فإن المنظر الذي يقع خلفها كان واحدا من أجمل ما يمكن أن تقع عليه عين إنسان، تساءلت بأي حق حرمها من أن تتمتع صباحا بذلك المشهد هي المحبوسة في إعاقتها وخلف ذلك الغطاء الذي تتسربل فيه طيلة الوقت.
المشهد الرابع:
آلمني كثيراً صوت صديقة قضت معي هنا أياما حدثتني كثيراً عن قطها زعتور، وبمجرد أن عادت إلى بلدها اتصلت بها مسؤولة مأوى الحيوانات التي تركت قطها فيه لتخبرها أن القط “ زعتور” قد فارق الحياة ، بدا صوتها على الهاتف حزينا جداً، أنا أعرف معنى أن يموت حيوان تربى في بيتك لسنوات طويلة إلى الدرجة التي يصير فيها كأنه أحد أفراد عائلتك، أو أحد تفاصيل البيت، فمنذ سنوات حين ماتت الكلبة التي تربت في منزلنا بعد أن دهسها أخي عشنا أياما من الكآبة فعلا.
لقد مات زعتر حزنا على فراق صاحبته، ألا يستحق أن تحزن عليه، بعد أن صرنا في أيام لا يحزن فيها الأبناء على فراق الأب ؟؟ مسكين زعتور ومسكينة صاحبته.


ayya-222@hotmail.com