تصل إلى هونج كونج ليلاً فتبهرك بأنوارها، تسير متثاقلاً بحثاً عن مكان تبيت فيه، تشعر بالألفة في هذه المدينة العصرية لأنك لمحت على بوابة الميناء علامة تحمل علم بلادك، تتوجه إلى مطعم أميركي للوجبات السريعة، فقد سئمت طعام الرهبان، سئمت الأعشاب وعيدان البامبو المشوية، تشعر بأنك عدت إلى الحضارة وأن المدن الحديثة تناسبك أكثر.. تقضي تلك الليلة كيفما اتفق، وفي الصباح تخرج لإعادة استكشاف المدينة، تركب سفينة تقليدية تنقلك إلى الضفة الأخرى، تنظر إلى الخلف فتبهرك الصورة الطبيعية التي ترسمها الغيوم التي تغطي المباني الشاهقة مشكلة منظراً بديعاً عجيباً. صورة بانورامية خلابة للمدينة وأنت تبتعد رويداً رويداً عن الجزيرة باتجاه البر الصيني، تنظر إلى الأفق فترى البحر المفتوح مضطرباً بفعل الأمطار التي تعدو سريعاً باتجاه المدينة، وهو ما شكل أيضاً منظراً عجيباً قلما ترى مثله، تتساقط الأمطار على السفينة الشراعية، لكنها تسير في بحر شبه مغلق فلن يشكل ذلك خطراً فعلياً بالرغم من أنها تهادت وتمايلت كأنها تتراقص على أنغام قطرات المطر عندما ترتطم بصفحة مياه البحر قبل أن تندمج فيه.. تنتعش، تشعر بغموض يكتنف المكان ربما بسبب الضباب الذي يلف الأجواء، أو ربما لأن تلك الغيوم قد تساقطت فلم تعد الرؤية ممكنة، يحتشد السياح حولك في المكان اتقاء للمطر فتجد نفسك محشوراً بين سياج السفينة الخشبي والأجساد، فتحاول التملص والخروج من المكان لتبحث عن مكان أكثر هدوءاً لمواصلة التأمل حتى لو كان تحت زخات المطر.. تتذكر تأملاتك الفكرية وأنت قابع في المعبد التبتي، تشعر ببرودة في فروة رأسك الحليق، تبتسم، تتذكر حالة الجنون التي جعلتك تتخلى عن شعر رأسك، تمسح على رأسك كأنك تحث الشعر على النمو سريعاً، تنظر نحو الأفق، تشعر بحنين إلى الوطن، تتضارب الأفكار في رأسك، تقترب من المرفأ فترى عروسين يلتقطان الصور التذكارية تحت شجرة ضخمة وضع بجوارها نصب تذكاري، تنزل وتسير تحت زخات المطر، فملابسك مبتلة أصلاً والناس هنا لا يكترثون بالمطر فتتصرف مثلهم، تسير على ممشى النجوم، حيث نصبت تماثيل لنجوم ومشاهير، تتوقف أمام تمثال لأسطورة أفلام الكاراتيه "بروس لي"، وهو في وضعية "قبضة الغضب" تتذكر كل أفلامه وتتذكر قصة موته المأساوية، تكمل المسير وتتوقف مرة أخرى أمام تمثال للممثل "جاكي شان"، وكأنهم أرادوا رواية قصة الحاضر المرتبطة بالماضي، تماما كتلك السفينة التقليدية التي أقلتك إلى هنا، فتصميمها يعود إلى القرن الخامس عشر، كتلك السفن التي استخدمها الرحالة الصيني المسلم "تشينج خه".. rahaluae@gmail.com