“الهرمنيوطيقا” فرع من فروع المعارف الحديثة في النقد الأدبي أو الفني بوجه عام. والمصطلح يرجع إلى أصل يوناني قديم. وقد أعيد بعثه ليصبح قرين تفسير النصوص المقدسة وتأويلها. والفارق بين التفسير والتأويل - في ظني- هو الفارق بين إبانة معنى النص وإظهار مراميه وخوافيه على سبيل الإظهار والتوضيح من جانب، وتحويل ظاهر المجاز أو رموز الكلام إلى مستوى الحقائق أو المعاني الواضحة أو معنى المعنى بلغة شيخ علماء البلاغة العربية القديمة: عبد القاهر الجرجاني. ومثال التأويل ما يحيل به المعتزلي المعنى المباشر في قوله تعالى: “الرحمن على العرش استوى” إلى معنى غير مباشر لا يوهم التجسيد، ويحافظ على مبدأ تنزيه الله سبحانه وتعالى عن أن يشبه أحداً من خلقه، استجابة لقوله تعالى: “ليس كمثله شيء”. وعلى ذلك يكون معنى الاستواء ليس في الجلوس المادي كجلوس البشر عندما يستوي الواحد منهم على كرسي أو على العرش. فالمعنى بعد التأويل هو الهيمنة والتمكن الذي يعبر عنه العرش مجازاً. لكن ما الحدود التي تمايز بقدر ما تصل بين التفسير والتأويل؟. وما الخطوات التي يتخذها قارئ الكتب المقدسة لتفسير كلامها المباشر وغير المباشر؟. وما القواعد التي يتبعها من يقوم بتفسير أو تأويل المجازات والرموز الواردة في الكتب المقدسة أو في غيرها، حتى حين ينداح الفارق الدلالي بين التأويل والتفسير، فنسمع، مثلاً، عن تأويل الأحلام بمعنى تفسيرها. وقد انتقل مصطلح الهرمنيوطيقا إلى النقد، وذلك من زاوية “المعنى” الذي يجمع بين النصوص جميعها، ويحتاج إلى تفسير أو تأويل يكشف عن دلالته أو دلالات غيره على السواء. وقد أفادت الهرمنيوطيقا في صيغها الجديدة من التقدم المذهل الذي حدث في علوم اللغة وما اقترنت بها من تأسيس جديد لعلم العلامات، أو السميوطيقا. وقد أصبحت الهرمنيوطيقا والسميوطيقا قرينتين في ممارسات عديدة بحثاً عن المعنى أو الدلالة. ولم يمض وقت طويل حتى انضم إلى هذين الحليفين نظريات الاستقبال المحدثة أو دراسة المتلقي. وكلها اصطلاحات تبدأ وتنتهي من “المعنى” في العمل الأدبي: هل هو واحد أم متعدد؟ وهل هو ثابت أم متغير؟. وهل يخرج الذين يعيشون في القرن الذي عاش فيه شكسبير بما نخرج به نحن الذين نعيش في القرن الحادي والعشرين؟ وما مدى تأثير اختلاف المستويات الثقافية على المجموعات القرائية؟ وهل هي مجموعة قرائية فحسب أم مجموعة متلقية؟ إننا نقرأ الأدب ونشاهد المسرحية والفيلم والأوبرا ونستمع إلى الأغنية أو المعزوفة الموسيقية بأنواعها أو السيمفونيات. وكلها أعمال إبداعية لا يكتمل ثراؤها إلا بالتأويل والتفسير اللذين تجمع بينهما دلالة الهرمنيوطيقا في معانيها المعاصرة ومجالاتها التي شغلت نقاد الأدب ونقاد الفنون المعاصرة بعد أن أفاد منها مفسرو الكتب المقدسة، ووضعوا قواعدها التي اتسعت كثيراً جداً، وأخذت تتأثر وتؤثر في فنون وآداب زمن الحداثة الذي أدى إلى ما بعد الحداثة وما أصبح يسمى ما بعد البعد. وهي تلك السنوات التي نعيشها في زمن غير الزمن الذي يعيشه الغرب.