الجلوس مع الأبناء وتخصيص وقت لمحادثتهم والنقاش معهم حول ما يشغلهم من هموم وأحلام وخيال يشكل وازعاً مهماً ورادعاً أساسياً لأي انحرافات واختلالات في السلوك لدى هؤلاء الصغار. فعندما يتبوأ الأب دور الصديق ورفيق العمر، فإنه يكسر الحاجز النفسي بينه وبين أبنائه؛ ما يحبط كل محاولات التهرب من التعبير عن المشاعر بصراحة ووضوح، كما أن الانفتاح على الأبناء والوقوف معهم لحل المشاكل العاطفية والاجتماعية التي تعترض طريقهم يغنيهم عن اللحاق بأصدقاء السوء أو اللجوء إلى الشارع وما فيه من حيتان ووحوش ضارية من الممكن أن تلتهم هؤلاء الصغار أو تأخذهم إلى غابات موحشة لا رجوع بعدها إلى الصواب. والدراسة التي أعدتها الشؤون الاجتماعية من أن نسبة الآباء الذين يخصصون وقتاً للجلوس مع الأبناء هي 66%، وهي نسبة تضع مؤشراً خطيراً لهذا الطلاق العاطفي الذي بدأ يتسرب إلى مشاعر الآباء إثر الانشغال في قضايا مادية فجة جففت منابع الأبوية وما يجمع الأب والابن من مشاعر فطرية، هذه النسبة يجب أن ترفع من حالة الطوارئ في البيت والمدرسة والنادي، وبدعم وافر وقوي وممنهج من قبل الإعلام لتذويب الجليد، وتنظيف الوجدان الإنساني من الصدأ والغبار، وما فعلته السنون من خربشة في الداخل. هذه النسبة تحتاج إلى تجنيد فرق عمل متخصصة في مجال علم النفس والاجتماع، وضمن برامج علمية مدروسة لبث الروح من جديد، في ماضي العلاقة وتشخيص أسباب هذه العلة المعضلة، والبحث عن وسائل وبدائل تقوم على إعادة المياه إلى مجاريها. وتأتي مبادرة وزارة الشؤون بتنظيم حملة توعية تحت اسم “سند” خطوة نحو الأمام، ولكن حتى لا تصير الحملة مجرد حملة روتينية، نتمنى من الوزارة أن تضع الأمر ضمن خطة استراتيجية بعيدة المدى تقوم على أساس علمي ومدروس، وربط العلاقة ما بين فريق الحملة والجهات التي ذكرناها في المقال، وأن يعطى هذا الموضوع أهمية خاصة؛ لأنه موضوع يتعلق بالإنسان، وهو جوهر التنمية، ومحور التطور، وأساس لصناعة مجتمع سوي، تقوم العلاقة فيه بين أفراد الأسرة الواحدة على الثقة والوضوح، ولا ثقة تتحقق دون تلاقح الأفكار وتلاحقها بين الأجيال، فجيل الأبناء، الجيل الأخضر الغض يحتاج إلى خبرة الآباء وتجاربهم، وكذلك الآباء يحتاجون إلى الأبناء لأنهم لا يستطيعون أن يعيشوا في جزر معزولة، وأن يغردوا خارج الحقل الأسري، وما علاقتهم مع الأبناء غير علاقة الكساء والغذاء. الأبناء بحاجة إلى الغذاء الروحي، إلى الابتسامة، إلى السؤال عن الواجب المدرسي، أو الظروف في العمل، يحتاجون إلى ردم الهوة بين الأب المستبد والابن الخائف دوماً. الأبناء يحتاجون إلى علاقة سوية تسود فيها سمة الاحترام وليس الخوف. علي أبو الريش | marafea@emi.ae