? بعض الوجوه تصيب بالاكتئاب والانسحاب إلى ظلمات دامسة.. وبعض الوجوه تحلق أمام عينيك فراشات ملونة. ? بعض الوجوه وكأنها تخدرك قائلة لا تبتسم وإلا أقمت الدنيا على رأسك فتبهت وتتجمد وتظل ساهماً غائماً معتماً متلعثماً مبعثراً متعثراً بلسانك الذي لا يصونك حتى وإن بلغت القمر. ? بعض الوجوه تراها حالمة مسالمة ناعمة كالحرير، مفعمة بالإشراقة والباقة والأناقة واللياقة لنظرة أولية تشعر بازدهار السماء، بنجوم وغيوم، وترى أزهار الأرض مترعرعة متفرعة يافعة يانعة تضوع بعبير الفرح، وعبق الانتماء إلى الكائنات الحية. ? بعض الوجوه كحفاري المقابر، مكفهرة مغبرة عاثرة خائرة، مائرة، سادرة ذاهبة في أنفاق العتمة، غائصة في أعماق الظلمة، ومهما حاولت أن تتحدى نفسك وتقترب منها لعلك تعثر على شهامة الفرح فلن تجد لأنها وجوه عاهدت نفسها على ألا تتفاءل، وحتى في أحسن حالاتها فهي وجوه متشائمة متفاقمة متزاحمة متراكمة بالنقاط السوداء. ? بعض الوجوه أشبه بالحلم الزاهي المتناهي في النصوع تصوغ لك الحياة قلائد وقصائد، وترخي على عينيك حرير الفرح، وتمنحك الابتسامة شفيفة عفيفة خفيفة رهيفة، تمنحك الوجود مخصباً بحناء السعادة، تمنحك عيوناً رموشها خيوطاً تحيك لك ملاءة الدفء وشراشف الأمان. ? وجوه كأنها الأغصان الفرحة بطيور التلاقي والتساقي. ? وجوه وكأنها نسيت محفظة الابتسامة في حقيبة، بحثت عنها في الصباح ولم تجدها فاضطرت اعتناق العبوس كوسيلة لتأكيد أنها لم تزل بعد تحتفظ بذاكرة حديدية. ? وجوه تحتفي بأعشاب الفرح، تنمو مترعرعة في حقول التفاؤل، تشدو كطيور النورس، توشوش كموجات البحر، تنظر إلى الواقع بعيون ملونة بالانتماء إلى الإنسانية، وقلوب مزخرفة بالألفة وأرواح كأجنحة الفراشات، وعقول تفوح برائحة الانقياء الأتقياء الأصفياء، النجباء النبلاء العقلاء، الأوفياء النبهاء والظرفاء. ? وجوه لا أراك الله سحنتها، هي كالأعشاب الشوكية، يابسة على تربة صخرية، هي كالحنظل لمجرد لمسه، يصيبك بالمغص والامتعاض، هي كأشباح الليل مخيفة ومخيبة للآمال، هي كزئير في غابة موحشة، هي كالعزلة في جزيرة نائية، هي لحن نشاز وقصيدة نافرة. ? وجوه تعرفها لأول مرة وكأنك عرفتها منذ زمن لأنها وجود مخزنة في بقعة ما من اللاشعور، لم يزل محتفظاً بجماليات الطبيعة، وجوه تشعر بمؤانستها الألفة والأنفة تشعر أنك تختفي في قماشة الحرير، تشعر أنك تلامس فصلاً ربيعياً، تشعر أنك إنسان في حضور كائن أسطوري خرافي مبهر ومزدهر بالعرفانية. ? وجوه لا تجبرك على التقاعد من العمل أو الوظيفة، بل هي ترغمك على التقاعد من الحياة، وجوه فيها الإشارات الضوئية المفزعة، ما يجعلك تتقاعس عن التفكير في اللون الذي يليه اللون الأخضر. ? وجوه تحبها فقط لأنك تحبها. علي أبو الريش | marafea@emi.ae