كُلِف سائق يعمل بإحدى الشركات بنقل شحنة برتقال من الميناء إلى المخازن، وفي الطريق توقف وأنزل صندوق برتقال من الحمولة، ووزعه على أقربائه وجيرانه وسكان منطقته، ثم أكمل طريقه، وأفرغ حمولته في المخزن، وقام الموزعون بتسلم حصصهم، وعندها تم اكتشاف النقص بصناديق البرتقال، قامت الشركة بإبلاغ الشرطة، التي سارعت إلى إلقاء القبض على أقارب وجيران السائق ممن أكلوا البرتقال، لمحاسبتهم على سرقة قام بها سائق الشاحنة. تلك القصة، هي ملخص لقرار وزارة التربية والتعليم وضع علامة صفر في المائة لـ 633 طالباً بالصف الثاني عشر جلسوا لامتحان الفصل الدراسي الثالث في مادة الأحياء، بعد ثبوت استفادتهم من تسريب الامتحان. فالوزارة تعاملت بمنطق غريب مع الواقعة التي تدين إجراءاتها، حيث تركت السارق، وذهبت إلى معاقبة المستفيد حتى وإن كان لا يعلم بأن الامتحان قد سرب. فوزارة التربية هي الجهة المعنية والمسؤولة عن تأمين ورقة الأسئلة والحفاظ على سريتها، ولما خان أحد موظفيها الأمانة وسرب الأسئلة سارعت الوزارة إلى معاقبة الطلبة المستفيدين من تسرب الورقة. وأستغرب! بأي منطق تعاقب طالب وصلته الأسئلة “برودكاست” على جهاز هاتفة الذكي، حيث لا علم له بالسرقة ولا بالتسريب، لا من قريب أو بعيد، وقد يكون الطالب قد تحصل على الأسئلة على أنها أسئلة نموذجية متداولة حديثاً. ما ذنب هذا الطالب إن كان بالفعل قد استفاد من الأسئلة وراجع مضمونها جيداً واستعد للامتحان، حيث إن الوقائع تشير إلى أنه لم يسرق، ولم يخترق شبكة الوزارة التي على ما يبدو أنها لم تكن محصنة بالقدر الكافي، ولم يشارك ولم يشتر ذمة خائن الأمانة، فمسؤولية التسريب كان يفترض أن يتحملها بشجاعة وزير التربية والتعليم، وأن يعترف بالقصور، وأن أحد موظفيه خان الأمانة، وأن يسارع بإعلان اسمه ووظيفته ويحيله إلى التحقيق، بل ويفتح لدى الجهات الأمنية المختصة بلاغاً ضده بتهمة خيانة الأمانة، والإضرار بمصالح الدولة وطلابها. ولكن ذلك لم يحصل، واكتفى وزير التربية والتعليم بالتأكيد على أن الامتحان لن يعاد، وأنه ستكون هناك إجراءات مشددة وصارمة على الورقة والمتعاملين معها، ونظام جديد أكثر مركزية لضمان عدم تكرار التسريب في العام المقبل، فيما رفض الإفصاح عن شخصية أو صفة الأشخاص المتورطين في تسريب الامتحان.!! ولا أعرف لماذا لم تتخذ الوزارة هذه الإجراءات المشددة هذا العام، ولماذا انتظرت الوزارة حدوث التسريب لتشدد إجراءاتها، وتتعامل بجدية مع أوراق الأسئلة؟! كما أنه من باب الشفافية التي تنشدها الحكومة، يجب أن يفصح وزير التربية والتعليم عن المتورطين، وتقديمهم إلى القضاء، لاعتبارات عدة، أولها حفظ هيبة التعليم والامتحانات والوزارة المبجلة، والاكتراث بمستقبل 633 طالباً نال من مستقبلهم شخص خائن الأمانة. فالإجراءات المتخذة من قبل الوزارة والوزير حتى الآن غير كافية، ورمت بالكرة في ملعب أولياء أمور الطلبة المتضررين من خيانة الأمانة لموظف يعمل بوزارة التربية والتعليم وليس خارجها، ما قد يدفعهم لأن يلجأوا إلى الجهات المعنية، وربما يصل الأمر إلى القضاء لاستعادة حقهم المهضوم. محمد عيسى | m.eisa@alittihad.ae