في كتابه المهم ( لماذا يسيطر الغرب على العالم اليوم ) يحدد أيان موريس خمسة عوامل رئيسية على أنها السبب في تطور أو عدم تطور الدول والشعوب هي : تغير المناخ - تدفقات الهجرة - مأساة الجوع (بين الشعوب) - انتشار الأوبئة والأمراض - فشل الدول في النهوض بواجباتها تجاه مجتمعاتها وشعوبها. ومن خلال الكتاب غاص أستاذ التاريخ عميقا في تاريخ تطور البشرية منذ أيام الكهوف وإلى يومنا هذا، يريد أن يقدم طرحا علميا لتفسير الظاهرة الحضارية وأسباب الغلبة والهزيمة ولماذا سيطر الغرب ولم يسيطر العرب ولمن ستكون الغلبة في الأربعين سنة القادمة من تاريخ العالم ! يذهب المؤلف بشكل صريح ومباشر إلى أن الازدهار والتفوق اللذين سيطر الغرب من خلالهما على معظم أرجاء العالم يعودا لتطور المواصلات وتحديدا بناء السفن المتطورة التي تمكن بواسطتها المغامرون الإسبان والبرتغاليون منذ 500 سنة، ومن بعدهم الفرنسيون والإنجليز من التوجه شرقا صوب الهند والصين وبلاد اليابان وغربا نحو العالم الجديد فاكتشفوا أميركا ومن ثم سيطروا على العالم وقاموا باستنزاف ثرواته وبناء أجمل المدن والحضارات. لا يوافق أيان موريس على أن فلسفة الأغريق أو تعاليم الديانات السماوية أو القانون الروماني أو حضارات الشرق العريقة في مصر وبلاد الرافدين كان لها فضل في تفوق الغرب، لأنه يقارن بشكل مادي مجرد - وربما مسطحا - بين من أنجز الحضارات وبين من سيطر في نهاية الأمر، والذي سيطر هو الغرب الذي وصل بسفنه إلى منابع الثروة، مع ذلك فالرجل الذي وجد نقدا حادا على فكرته هذه يؤكد أن التطور الطبيعي للبشرية لن يبقي الغرب مسيطرا إلى الأبد، بل إن مقاليد السيطرة ومفاهيمها قد بدأت تختل بشكل واضح لصالح اتجاهات أخرى، بعد أن أصبحت أميركا القطب الأوحد مديونة في مقابل الصين التي دفعت لأميركا مليارات الدولارات لتصبح الدائن الأعظم في التاريخ. وكما اشتغل فوكوياما في السنوات الماضية على تأكيد فكرة نهاية التاريخ لصالح الرأسمالية وأميركا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، ومن ثم تراجع عن فكرته لاحقا خاصة بعد سطوع نجم الصين وتراجع القوة الأميركية جراء الضربات المختلفة التي تلقتها فان السؤال يبدو بديهيا جداً: لمن الغلبة في الحقبة القادمة ؟ وحتى لا نستعجل الإجابة، فان البروفيسور ايان موريس يعود ليؤكد أن هذا التفوق الواضح للتقنيات الحديثة ونشوء حضارة الحاسوب والروبوت أو الإنسان الآلي ربما تستلزم إعادة النظر في مسألة الدولة العظمى أو الدولة القطب، وقد تكون الولايات المتحدة آخر دولة تحمل هذا اللقب في تاريخ البشرية !! ربما ستتقارب الصين والولايات المتحدة وأقطاب أخرى من أجل ولادة حلف قائم على ثورة التقنية والاتصالات متناهية التفوق، وربما تنفجر حروب من نوع آخر تختلف عن هذه التي شهدها الكوكب خلال قرون الصراع والهيمنة التقليدية، ستكون الصراعات أخطر وأوسع وعابرة للكواكب كما نرى في أفلام الخيال العلمي، صراعات لها صلة بانتشار السلاح النووي، الزيادة في حجم السكان، تقلص الموارد، تفشي أنماط مستجدة وغير مسبوقة أو غير معروفة من الأوبئة، نتائج تدهور ظاهرة تغير المناخ وتدهور البيئة. ولا داعي لان يسأل سكان الشرق الأوسط عن مصيرهم فان الخريطة كلها ستتغير حتما، وعليه فان الأربعين سنة القادمة هي سنوات حاسمة في تاريخ البشرية من هنا كان كتاب أيان موريس ( لماذا يسيطر الغرب اليوم) كتاباً مهماً وسؤالاً أكثر أهمية بالرغم من الكثير مما جاء فيه من أفكار قد لا تلقى الكثير من التأييد. عائشة سلطان | ayya-222@hotmail.com