على غير ما يعتقده الكثيرون حولنا، أن الثمن الذي ندفعه للحصول على سلعة ما أو خدمة هو السعر الذي نقدمه للبائع أو مقدم الخدمة، بينما الحقيقة أن الثمن والسعر قيمتان مختلفتان تماماً، فالثمن هو ما نقدمه كأفراد من جهد ووقت وأعصاب مقابل عملنا الذي نقوم به لكي نحصل على المال الذي سنقدمه فيما بعد سعراً للسلع التي سنحصل عليها. وبناء على هذا التمييز بين الاثنين، علينا أن نجيد تقييم السلع التي نحصل عليها، بقياس ثمنها الحقيقي الذي سندفعه فيها والنظر في قيمتها التي يجب أن تساوي أو تزيد عن الثمن الذي هو محصلة (الجهد والوقت والأعصاب). هناك كارثة نقترفها ونُحمّل مجتمعنا الاقتصادي تداعياتها عندما نجيب عن هذه الأسئلة (ما سعره؟ ما الثمن؟ ما هي قيمته؟) بالإجابة نفسها، وفي العادة نذكر رقماً، كأن يسألنا أحدهم عن سيارة اقتنيتها حديثاً، فنرد عليه على سبيل المثال بـ 150 ألف درهم، بينما الحقيقة أن معاني تلك الأسئلة مختلفة تماماً، فحسب المثال السابق، حول السيارة الجديدة، السعر هنا مبلغ (150 ألف درهم)، أما الثمن، فهو ما يدفعه الإنسان من جهد وعمل لكي يحصل على هذا المبلغ، ولنقل أن موظفاً راتبه الشهري 25 ألف درهم، فإن “الثمن” الذي يدفعه هو راتبه الكامل لـ 6 أشهر، أي 180 يوماً من أيام عمره واجه فيها كل ما في هذا العمل من منغصات وبذل فيه طاقته وأعصابه وساعات جهد؛ في حين أن “قيمة” السيارة، هي المنفعة التي يتوقع أن يحققها المشتري جراء امتلاكه إياها، كالحصول على وسيلة نقل خاصة تتحقق فيها مواصفات الأمن والسلامة، وتتوافر بها درجات معينة من الراحة والرفاهية، وهناك من يتحدث عن الثقة واحترام الآخرين كقيمة يحصل عليها حين اقتنائه هذه السلعة. في بعض الثقافات، لا يجد أفرادها صعوبة في إدراك الفروق بين هذه الكلمات، وذلك بسبب طريقة النشأة والتربية التي يتعرضون لها والتي يعرضون أطفالهم لها؛ فبمجرد أن يبدأ الطفل باستخدام المال وطلبه، حتى يبدأ ذووه في توضيح معنى الثمن بإفهامه أن القطع المعدنية أو النقدية التي يحصل عليها جاءت بصعوبة، وعليه أن يفعل أموراً كثيرة لكي يتمكن من الحصول عليها، وبعض هذه الأمور قد لا يحبها فيدرك الثمن المزعج الذي سيدفعه مقابل حصوله على المال، وبطبيعة الحال سيكون تصرفه أكثر رشداً وحرصاً في صرفه تعظيمه للقيمة التي سيحصل عليها من السلعة؛ على عكس الآخر الذي يتربى للأسف في ثقافات كالتي لدينا، والتي يحصل فيها على المال -وفي كثير من الأحيان بوفرة- من دون جهد يذكر، فيفقد المال ثمنه، وبالتالي لا تعود أهمية تعظيم القيمة من السلعة المرغوبة أمراً وارداً. لا تتوقف المشكلة عند إهدار البعض للثمن الذي دفعه مقابل الحصول على السلعة، وإنما ما يقوم به البعض - وللأسف هم كثر حولنا- برهن أعمارهم وجهدهم ووقتهم ومستقبلهم عندما يقومون بالاقتراض لكي يحصلوا على سلعة ما دون أن يسألوا أنفسهم هل قيمتها تستحق ما سأدفعه مستقبلاً من ثمن لها؟ بالتأكيد سيتغير تماماً سلوكنا الاستهلاكي إذا تمكنا من النظر إلى مقتنياتنا وما نسعى للحصول عليه عبر المقارنة بين ثمنها وقيمتها. فهل آن الأوان لذلك؟ السعد المنهالي | als.almenhaly@admedia.ae