في خطاب حسن نصر الله، عذاب واستقطاب، واحتطاب في غابة التوحش وتفشي الطائفية البغيضة.. في هذا الخطاب، هناك زبد ورعد وسرد لا يفضي إلا إلى مزيد من التمزيق والتفريق والتحليق في فضاءات ملغمة بغبار جياد ضلت طريقها، مشتاقة إلى الدم والهم والغم والسقم.. فقد يعرف نصر الله أو لا يعرف أن التشدق بالمصطلحات الغليظة الفظة إنما هو سلوك من عمل الشيطان.. ويبدو أن الرجل اكتشف الكذبة أخيراً بعدما ظل يمارس الحيل النفسية ضد البسطاء مدعياً أنه صلاح الدين القرن الحادي والعشرين، المحرر للقدس الشريف، المدافع عن حقوق المغلوبين والمغبونين والمسجونين في أقفاص الاحتلال الإسرائيلي.. قد يعرف نصر الله أو لا يعرف أن دم الأبرياء في سوريا ليس جسراً للوصول إلى القدس ولا ثمناً لهذه التشنجات والحشرجات وما تثيره الشعارات الكاذبة من لغط وغلط وشطط في نفوس من يسمعون الأسطوانة المشروخة والسبابة المعقوفة على الفراغ.. قد يعرف نصر الله أو لا يعرف أن الحماقات لا تنتج إلا مزيداً من التشرذم وتحطم القوارب في بحار الهوس الدموي.. قد يعرف نصر الله أو لا يعرف أن الاتكاء على الطائفية والاسترخاء على وسائدها الرثة لا ينتج إلا مزيداً من الأحقاد وضياع الأوطان ولا يستفيد من ذلك إلا الذين يدفعون نصر الله من وراء الحجب والعباءات السوداء الداكنة.. وما لا يعرفه نصر الله أن إشعال نيران الطائفية والمللية كوسيلة لإثبات الوجود لا جدوى منها البتة لأنها نزعات عدوانية مريضة بغيضة، ولا طائل من الركض خلف دخانها الكثيف لأنه خانق إلى درجة الموت.
شعوب كثيرة عانت من هذه التخرصات وواجهت الحقيقة عندما وضعت العقل موضع الميزان واستطاعت أن تعيد أوراق الجغرافيا المشتتة إلى الشجرة الأم وأن ترتب الزجاج المهشم في وعاء الحكمة.. أوروبا التي قهرتها الحروب لمدة أكثر من ثلاثمائة سنة لم تضع أوزار الحقد والشتات إلا بعد أن جاء مهندس العلاقات الإنسانية جان جاك روسو ورسخ مبادئ العقد الاجتماعي كدستور وتلمود جديد يحل عقدة الأنا المتورمة ويعالج سرطان الكبرياء المزيفة.. وها هي أوروبا تقف شاهدة على المشهد العربي وتنظر بفخر كيف استطاعت أن تتجاوز المحنة بالعقل، بينما نصر الله وسواه لا يزالون يتدثرون بعباءة الطائفة كحل، معتقدين بذلك أنهم سيحكمون العالم وليس لبنان من جنوبه الطائفي.. وهذه هي معضلة العقل الارتبابي والنفس المريضة.. فماذا سنقول لروسو بعد كل هذا الهذيان؟


Uae88999@gmail.com