لتسمح لي الكاتبة الرائعة الصديقة مريم السعدي بأن ألتقط طرف خيط ملون من مقالها “حياة ملونة” - وقد استمتعت بقراءته - لأفتح به طريقا لتساؤلات أو ربما لوجهات نظر متباينة، فمريم كانت على الدوام كما تقول تحلم بحياة ملونة، تحيطها الألوان وتملؤ تفاصيل الحياة في مشهدها الكلي والعام، الخاص والاعتيادي، هذا الطموح الذي يداعب الكثيرين ربما، من دون أن يكون بإمكانهم التعبير عنه بذات الألق الذي عبرت عنه الكاتبة، لامتلاكها ناصية الإبداع ولسطوع الأمنية في قلبها، مع ذلك قد يطرح شخص ما يبحث عن الحياة الملونة في البهجة والسلام واللامتكرر واللاممل، عن معنى أن لا يجد هذه الحياة؟ عن مصيره بعيداً عن هذا الطموح الإنساني المتناهي البساطة، البساطة النابعة من اعتقاده بأن الشمس واللون والأخضر وقوس قزح والسلام والبهجة  تفاصيل حياتية إنسانية متاحة، أو يجب أن تكون كذلك، لماذا يصير السهل أمنية صعبة في بعض الأمكنة؟ ولماذا يغدو محالاً أحياناً عليك أن تذهب لآخر المدى كي تلملم خيوطه وتبتهج به؟  إن الذين يجدون بهجة الحياة وسطوع قيمتها وحرارة ألوانها في الأخضر البهي الشهي الذي يلون الطرقات أو يفرش الحقول أو يعلو الجبال لا يحتاجون إلى الكثير من المطاليب المعقدة، كي يعيشوا سعادتهم بكل الحقيقة والصدق، علينا أن نصدق أن هناك من يجد سعادة لا توصف وهو يجلس تحت ظل شجرة خضراء في جانب بيته المتواضع، معرضا بوجهه عن كل صراعات البشر على التوافه والحقارات، قالت لي يوما تلك السيدة التي جاءت تزورني من قرية عربية بعيدة “أفتقد شجرتي الحور اللتين غرسهما أبي منذ سنوات، واللتين أجلس تحت ظلالهما كل صباح، أشرب قهوتي مع الجارة العجوز وأستمع إلى فيروز عبر مذياع قديم “عرضت عليها مذياعا جديدا، قالت لي البهجة في القلب وليست في المذياع الجديد! فحين تكون بهجتك في قلبك تعرف على وجه الدقة كيف تختار تفاصيلك، كيف تختار طريقك، وكيف تقودك خطاك بلا تردد ولا تلعثم ولا تفكير في آراء الناس وفيما يقوله الآخرون، فهؤلاء إن لم يكونوا جحيما على حد وصف “سارتر”، فهم ليسوا بوصلتك الحقيقية وليسوا أهلا ليمنحوك شيئاً من معنى الحياة التي تهفو إليها روحك، الحياة الحقيقية التي تخصك وتريحك وتمنحك سلامك وصفاؤك - كما أراها - هي تلك التي تعيشها كما تريدها، كما تتصورها، كما تصدق أنك جدير بها، أي أن تكون أنت وتلقي بنفسك في خضمها، وإن أفتاك الناس فيها وأفتوك ثم أمعنوا في لومك ونصحك أو الإعراض عنك! إشكالية البعض منا ليست في القبض على الخيوط الملونة، على الإحساس بأزرق السماء، وحضور بهاء الأخضر في روحه، ليست في تنفس الفجر في دفق دمه، ولا في تلك الهيبة التي يتوجب أن يستحضرها وهو يتأمل سقوط ورق الشجر بكل ألوانه، وصعود الرائحة من رؤوس براعم العشب صباحا، ولا في هبوط صفوف العصافير إلى أعشاشه أو في حمرة الشفق، وعتمة الليل، إشكاليتنا جميعا ربما هي أننا لا زلنا متدثرين بمعطف القبيلة التي ترهبنا من الذهاب بعيدا عن حدود الحمى، لأن هناك عدوا قابعا في انتظار قطف أرواحنا، فإن اكتشفنا الكذبة، كانت النتيجة أشد وطأة، نحن نموت رعبا من تخلي الآخرين عنا، من العيش وحيدين مع فكرتنا بدون القبيلة، اللون يسطع في داخلنا إن تمكنا من حمل القنديل وصعدنا أعلى التل وحيدين إلا من ذاك القنديل! ayya-222@hotmail.com