منذ بدء الأحداث في سوريا، صرت أسأل أي سوري أقابله في أي مكان عن حال سوريا. يأتي الرد غالباً “الله بيعين، شو بدنا نحكي”. والكثير من الإجابات تكون صامتة بعيون دامعة متعبة. قبل يومين أجابني شاب سوري يعمل في محل بيع حقائب: “الحمد لله منطقتنا بخير”، “تقصد أنها لا يجري فيها ما يجري؟”، “لا، أقصد أن هناك قتل وخطف، لكن الحمد لله لم يطالها القصف”. وبدا كمن ينقل خبراً جيداً بالفعل. صار مفهوم “الحال بخير” في سوريا أي أن المنطقة لم تتعرض للقصف بعد. منذ أحداث سوريا وجدت نفسي أسير بشكل غير متزن. خطواتي تتخذ مسافات غير متناسقة، صحيح أن مشيتي لم تكن مثالية في السابق إذ كانت تتسم بالبطء الشديد المستفز ولكنها على الأقل كانت متوازنة. ما حصل أن دماغي فقد القدرة على الاستيعاب، والحقيقة أنني لكي أسير بتوازن أحتاج أن أستوعب. ولم يكن بالإمكان أبداً أن أفهم كمية القتل التي تحصل في سوريا. أنا يمكن أن أفهم القتل حين يكون جريمة فردية كردة فعل عمياء بين طرفين متخاصمين بينهما عداوة وبغضاء. لكن أن يتم القتل لأعداد كثيرة من الناس الأبرياء، ربما كانوا نياماً فقط، أو يتمشون، أو يشترون الخبز. أشخاص لا تعرفهم، كيف تقتلهم؟ ولأجل ماذا؟ كيف يقدم إنسان على إزهاق روح شخص لا يعرفه أساسا، أي لم تكن بينهم عداوة شخصية، لا يحمل له ضغينة خاصة نتيجة تراكم أحقاد ذكريات مشتركة؛ لم يكن زميل أثناء المدرسة مثلاً دفعه في طابور الصباح يوماً أو خربش على دفتره، لم يكن زميلاً في الجامعة سرق منه حبيبته، لم يحصل وأن عرف هذا الشخص، فكيف يقتله؟ ألا يفكر أنه يقتل إنساناَ طيباً؟ أنه ينتزع منه “حياة” كان يمكن أن يعيشها؟! لم أفهم كيف يكون قتل الأطفال بكل تلك الوحشية أمر يمكن أن يمر عليه العالم. ظننت أن الشمس في الغد لن تشرق، أن العالم سيكون قد هب عن بكرة أبيه وغطى عين الشمس في زحفه لوقف هذا القتل المجاني. لكن لم يحصل شيء. لا أقول أنني في حالة صدمة من موقف العالم، فالفلسطينيون مثلاً شعب مهجر كامل على مدى سنين، ولا زال عليه أن يثبت أنه الضحية لا الجاني، ولازال يجد صعوبة في إثبات ذلك. لكن قتل الأطفال لا يمكن أن يعتاده المرء. مهما تكرر. لا زال يسبب خللاً في الخطوات. أتصور، في خيالاتي المثالية، أن مقتل طفل واحد فقط، طفل واحد كفيل بأن يجعل العالم ينتفض انتقاما له. لكن، هل لأن العدد في سوريا ليس طفل واحد فقط؟ هل لأنه بالآلاف؟ ألذلك تخدر العالم؟ يقال مع الوفرة تنخفض القيمة. هل تنخفض قيمة الإنسان إذا قتل في إبادة جماعية؟ أم أن القتل في سوريا لم يصل لمستوى “الإبادة الجماعية” بعد؟ أعرف أن المجتمع الدولي المتمدن يحرص على الاستخدام الصحيح للمصطلحات، في الواقع يبدو منشغلاً أكثر بـ “التوصيف اللغوي” للأوضاع أكثر من إيجاد حل نهائي لها. “من ينقذ سوريا؟”، تساؤل وضعته على صفحتي في الفيسبوك. جاءني رد واحد يقول: “باتمان”. Mariam_alsaedi@hotmail.com