تقول فيروز في واحدة من أجمل أغنياتها وأكثرها عمقاً ومدعاة للتأمل: “أسامينا، شو تعبو أهالينا تالاقوها، وشو افتكروا فينا، الأسامي كلام، شو خص الكلام.. إلخ كلمات الأغنية. لماذا أسماؤنا مهمة أو بهذه الأهمية؟ لماذا يتعب أهلنا للعثور عليها، على أجملها وأغناها بالمعنى والوقع والإيحاء والموسيقى، لماذا يجب عليهم أن يفعلوا ذلك بالأحرى؟ لماذا على أهلنا أن يفكروا فينا حين يختارون أسماءنا قبل أن يفكروا في أنفسهم وتاريخ العائلة وعظمائها الذين يتوجب أن يخلدوا على حسابنا أحياناً إذا كانت أسماء بعض العظماء ليست على ما يرام أو لا توحي بالفخر والارتياح؟.  أسئلة كثيرة، كثيرة جداً تولدها الأسماء ومعانيها وإيحاءاتها، وملابسات إطلاقها على الولد أو على البنت، الذي أو التي سيحملان هذا الطابع أو الرمز أو العنوان طوال حياتهم، في حلهم وترحالهم، في الفصل مع زملائهم، وفي ساحات اللعب، في الحب والخصومات، في الجامعة والعمل، في السفر وعند التعامل مع شعوب الأرض، عند شبابيك المستشفيات والمؤسسات الحكومية ومراقبة الجوازات، عندما يناديهم أحبتهم فيما بعد وأبناؤهم وجيرانهم، وحينما يكتبون أسماءهم في سجلاتهم ومذكراتهم وبطاقات الهوية والمصرف وغرف الفنادق، ألا يتوجب على الأهل أن يفكروا مرة وعشر مرات قبل أن يقولوا هذا هو الاسم المناسب لهذا الطفل أو لهذه الطفلة؟. سمعت قصصاً شتى لصغار ومراهقين مستاءين كثيراً من أسمائهم، متبرّمين وغير فخورين بها، سمعت شباباً يعتبرون أن أسوأ ما مر بهم في حياتهم هو هذا الاسم الذي أطلقه والد على ولده تخليداً لجده الأكبر. وفي باديتنا، وفي بلاد كثيرة، هنالك أسماء بلا معنى، أو بمعان مثيرة للضحك، أو بايحاءات تحمل شيئاً من العنصرية أحياناً، أو توحي بصفات تدعو للابتسام بمجرد أن تُسمع. سمعت عن فتيات صغيرات وقعن ضحايا للاكتئاب بسبب أسماء يحملنها لكنهن لم يحلمن يوماً أن تكون هذه أسماؤهن، فحاولن تغييرها بالتذمر والبكاء والامتناع عن الذهاب للمدرسة لحين تغيير الاسم؛ لأن زميلاتهن في المدرسة يسخرن من تلك الأسماء. وسمعت عن أخريات رفض الخطّاب أن تبقى أسماؤهن على ما هي عليه لأن مكانة أو انتماءات عائلة الخطيب لا تناسبها هذه النوعية من الأسماء الغريبة. حكاية الكثيرين مع الأسماء لا يعرف مقدار معاناتها إلا من حمل أو حملت اسماً لم يمنحها تلك الراحة والاعتزاز والفرح المتوقع من أمر لصيق وحميمي كالاسم يفترض به أن يكون أجمل ما فينا، وأول الهدايا الجميلة التي يقدمها لنا أهلنا بمجرد أن نشهق بهواء الحياة. لقد قالت تلك الصغيرة إنها لم تعش يوماً سعيداً مع ذلك الاسم الذي كانت تحمله في سنين غابرة جدتها لوالدها، كانت ترى الاسم قبيحاً لا يدعو للراحة بقدر ما يثير السخرية، وجدته على غير ما وصفت، لكنها لم تكن حتى تريد تكراره أمامي، لقد كانت تحمل كمّاً مضاعفاً من المشاعر السلبية تجاه امرأة لم ترها يوماً، لكنها كما قالت ابتليت بحمل اسمها غير المحبب! علينا أن نتعب كثيراً، وأن نفكر فيهم، قبل أن نطلق على أبنائنا أسماءهم التي سترافقهم العمر كله، كلون جلدهم وكفصيلة دمهم، فإن لم يكن لهم ولنا يد في فصيلة الدم، فلنبرّهم بأسماء جميلة مبهجة. ayya-222@hotmail.com