قلت لصديقة إن كل طموحي في الحياة كان أن أحيا حياة ملونة. وجدتها تسألني: ماذا تعني الحياة الملونة؟ ولم أجب. اعتقدت أنها من البديهيات أن يعرف كل إنسان معنى الحياة الملونة. معنى أن يكون هناك أخضر وأصفر وأبيض وأحمر وزهري وبرتقالي وأزرق سماوي في حياتك. في تفاصيل يومك، في المشهد الاعتيادي حولك. أن تحيط بك الألوان، أن تحتفي بك، أن تشرق بها حياتك ويشرق بها قلبك. وأن تمتلك ما يكفي من السلام الداخلي لترى كل ذلك. أن تستيقظ صباحاً فترى بياض النور، وزرقة السماء، واخضرار الشجر، وألوان قوس قزح تشرق في وجوه الناس من حولك. إنها السعادة. الحياة الملونة: أن تعيش. أن تكون. أن تغمرك البهجة من شدة الصفاء، ونقاء اللون. هي أن تعرف أن كل يوم هو يوم جديد. ليس يوم مكرر، منزوع اللون؛ التكرار ينزع من الشيء لونه، نكهته، وقيمته. فيصير وجوده كعدمه. وهكذا الأيام حين تصير مكررة ممجوجة واحدها يشبه الآخر دون أي اختلاف يضفي على الحياة نكهتها، هكذا موات لا علاقة له بتلون الحياة. إنه والعدم سيان. الحياة الملونة هي أن تعرف أن لون السماء أزرق، وأن «تعرف» يعني أن تمتلك نصاعة الحواس الخمس وحيوية نبض القلب وكل ذلك الانتباه في العقل والتيقظ لأي نبض حي. أن تعرف أزرق السماء والبحر أي أن تغتسل به عينك وتحسه بأعماق روحك، وتستشعر رهبة أن يكون «أزرق». أن «تعرف» يعني أن تمتلك ذلك الحس لكي تنتبه لهيبة السماء والبحر، فتتسع روحك لتشمل الكون. وأن تترك روحك تتماس مع الأزرق، تتماهى فيه، حتى يغسلها فتعود روح طفل لم يلوثه أسود أو رمادي قط. الحياة الملونة أي أن تسكن في أخضر أوراق الشجر، أن تجد في ورقة شجرة خضراء سلام وصفاء المحبة، أن تجد فيها أمان وطن وسكينة بيت. وأن تمتلك القدرة على الإحساس بكل ذلك. الحياة الملونة هي أن يكون أمامك طريق. ومعالم واضحة، وخريطة، ورؤية، وأثر أقدام واثقة. هي ألا تتماهى الطرقات أمامك وتختلط العلامات فتشعر أنك مثل ريشة بلا جدوى سوى أن تعبث بك ريح لا تعنيك. الحياة الملونة هي أن تغمرك المحبة فيحملك الجمال على بياض السحب لتسبح في زرقة السماء حتى تهبط مثل طير أصفر لتبنى على أخضر الشجر عشك. فطوبى لمن هنئ بألوان الحياة، ومن لم يكن روحاً ملونة تبتئس في بحر من رمادي لم ينل من الحياة مبتغاه. هكذا هي الحياة حين تكون ملونة، أو ربما ليست هكذا بالضبط، ربما هي أكثر من ذلك، ربما لم أجب على سؤال صديقتي تماماً، فبعض الأشياء لا يمكن أن تشرحها الكلمات، وحين تحاول أن تشرحها قد تفقدها وتذهب عنها بعيداً. بعض الأشياء، تُحس فقط هناك عميقاً، في تلك الزاوية البعيدة من الروح، حين تتجلى أمامها الصور الملونة. Mariam_alsaedi@hotmail.com