دخل أعرابيٌّ إلى الرشيد، فأنشده أرجوزةً وإسماعيل يكتب بين يديه كتاباً، وكان أحسن الناس خطاً، وأسرعهم يداً وخاطراً، فقال الرشيد للأعرابي: صف هذا الكتاب. فقال: ما رأيت أطيش من قلمه، ولا أثبت من كلمه، ثم قال ارتجالاً: رقيقُ حواشي الحلـمِ حينَ تَبــورُهُ يريــك الهوينـا والأمــــورُ تطيرُ له قلمــا بُؤسَـى ونُعمـى كلاهمـا ســـحابتهُ فــي الحالتــينِ دَرُورُ يناجيك عما في ضميـــركَ لحظـهُ ويفتـحُ بـابَ الأمـر وهـو عسـيرُ فقال الرشيد: قد وجب لك يا أعرابي حق عليه، هو يقضيك إياه، وحق علينا فيه نحن نقوم به، ادفعوا إليه دية الحر، فقال إسماعيل وله على عبدك دية العبد. قوله: رقيق حواشي الحلم، رديء لأن الحلم يوصف بالرزانة لا بالرقة، واستعمل أبو تمام هذا اللفظ فعيب به. وقوله: يريك الهوينا والأمور تطير رويناه لمنصور النمري. وفاخر صاحب قلم صاحب سيف، فقـال صاحب القلم: أنا أقتل بلا غرر، وأنت تقتل على غرر. قال صاحب السيف: القلم خادم السيف، إن بلغ مراده وإلا فإلى السيف معاده، أما سمعت قول أبي تمام: السيفُ أصدقُ أنبـاءً من الكتـبِ في حدِّهِ الحدُّ بين الجدِّ واللعبِ وأبي ذلك ابن الرومي فقال: كذا قضى الله للأقــام مُذْ بُريَتْ السـيوفَ لهـا مُذْ أُرهِفَتْ خَدَمُ وقال أيضاً: لعمرك ما السيفُ ســيفُ الكميّ بأخـــوفَ مـــن قلــمِ الكاتــبِ لــــه شــــاهدٌ إنْ تأمّلْتَــــــــــهُ ظهـرتَ علـى ســـرِّه الغائــــبِ أداةُ المنيّـــــــةِ فـــــي جانـــب وســـيفُ المنيّــةِ فــي جانــبِ ألم تَــرَ فــي صَــدرهِ كالســـــنانِ وفي الرِّدفِ كالمـرهَفِ العاضِبِ وقد أحسن الخالدي في قوله: ففي كفِّ ليث الـــورَى للنـــــدَى وفي كفِّ ليث الشرى في الغياضِ وقلت: أبيـــت بالليـــلِ غريـب الكــرى يأخذُ منـي الــدرسُ والكتـــبُ وقيِّــــمُ الحكمـــةِ فـــي أنملـــي يصـــوغُ مــا يســـبكهُ اللُّــــبُّ أنفُ ضميـــري حيـــنَ أرعفُتـــه أفــرغ ما اســــتوعبَهُ القلــــبُ لســـانُ كِفـــي حيـــنَ أنطقـتــهُ أرضـاك منـهُ المنطـقُ العــذبُ مُنحَّـــفٌ فـــي خَلقــــهِ ذابــــلٌ مُعظَّــــمٌ فــي فعلــــهِ نَــــدبُ إن لم يكـن كالعضبِ فـي حَــدِّهِ فإنــــه فـــي فعلــــه عضــــبُ ينكسُــهُ الــــــمرءُ فيعلــو بــــه ورُبَّ نِكـــــسٍ غِبُّـــــهُ نصـــبُ ومُــــذْ عرفنـــا لـــذَّةَ العلـــمِ لا يُعجبنــــا الحلـــوُ ولا العـــذبُ Esmaiel.Hasan@admedia.ae