لكي لا يغيب العنف وظلال الفتن عن يوميات الوطن الكبير، فإن أمر اختلاق الأزمات وتوليد الصراع من الفراغ ومن اللاشيء أمر يحتاج إلى جهد وذاكرة، مطلوب من هذه الجغرافيا المصابة بلوثة الثارات والذاكرة الرطبة بالصراعات ووجوه القتلى أن تبقى مصلوبة على ذاكرة العنف، الحرائق اليومية، حصيلة القتلى التي تتزايد يومياً في كل حادث وتعلنها مذيعة عابرة بوجه لا تعرف إن كانت صاحبته من حزب جماعات السيارات المفخخة، أم من جماعات الذين تم قتلهم غيلة وهم يخرجون من باب المسجد يذكرون ربهم ويسبحونه آمنين مطمئنين، أو وهم يحتسون الشاي على كرسي مهمل في مقهى ما عاد يرتاده أحد بعد أن نضب شريان السياحة في كل العواصم العربية، العواصم العربية التي صارت خبراً يومياً دامياً في نشرات الأخبار لا أكثر! العنف اليوم يائس كما يبدو، وقد أوصلنا للإحباط ومنتهى اليأس، نحن اليوم باتجاه الحروب المذهبية التي تشعلها جهة ما، ربما نعرفها وربما لا نريد أن نذكرها، العنف يائس منا، فنحن رغم كل شراسته وفجوره عبر السنين، إلا أننا سنبقى مقاومين كارهين لمشاريع تمزيقنا، متمسكين ببعض إنسانيتنا وببعضنا، كانوا يريدوننا أن نصير مخلوقات مشوهة متحولة، تتحرك بجهاز تحكم مركزه هناك في عاصمة الدنيا وعقله لا وجود له، أما ذاكرته فتفرغ وتعبأ يومياً حسب شريط نشرة الأخبار وبرنامج بث العنف والقتل اليومي، هذه هي الذاكرة المطلوب منا أن نصحو بها وبها ننام ونتحرك ونحملها معنا في أسفارنا ووظائفنا وحتى في مواعيدنا الغرامية! العنف اليائس منا تفجر رأسه غيظاً فاشتغل على السيناريو الأقذر هذه الأيام، سيناريو الحرب الطائفية، سيناريو التقسيم بحسب العرقيات والانتماءات الفكرية، السيناريو في حد ذاته ليس جديداً، الجديد دسه في بؤر لا تحتمل مزيداً من اللهب لشدة حرارتها. منذ أسبوع تم تفجير سيارة مفخخة في الضاحية الجنوبية لبيروت، فخرج نصر الله يرغي ويزبد مهدداً بشكل انفعالي مبالغ فيه، وكانت النتيجة أنه لم يمر أسبوع على تهديداته حتى انفجرت سيارتان مفخختان في معقل سنة لبنان في طرابلس وأمام مسجدين هناك، وعلى طريقة نصر الله (إن كان بشار يريد خمسة آلاف سنرسل لهم عشرة)، فالذين التقطوا الإشارة طبقوا نظرية الجزاء من جنس العمل مضاعفاً. بعد أسبوع ربما سنفتح التلفزيونات صباحاً ليتكرر المشهد أمامنا، وستتطور عجلة العنف والعنف المقابل، سيقتل الشيعة السنة وسيفعل السنة الشيء نفسة، في لبنان، كما في العراق، وسوريا، وكما يفعل المصريون الذين انقسموا إخواناً مع الشرعية وانقلابيين ضد الإخوان والشرعية، وفي ليبيا انقسام آخر وفي الجزائر بدأت تلوح في الأفق رائحة نتنة حول جثث وجدت مفصولة الرؤوس، ما يعيد إلى الأذهان حقبة دم استمرت عشرة أعوام، عقد التسعينيات، بينما تونس عالقة في مأزق الحكومة والمعارضة، والدم يراق أنهاراً، ليس بيد عمرو (العدو الخارجي) ولكن بأيدينا، بأنفسنا!  يوميات الإنسان العادي عبارة عن تفاصيل صغيرة، تافهة أحياناً، جميلة أحياناً، كارثية أحياناً وحميمة أحياناً أخرى، تتفاعل تلك التفاصيل تغيب وتسطع، وتمضي الحياة، لكن تحت مظلة الوطن العربي تمضي يوميات أخرى، يوميات لا يغيب عنها العنف والقتل والتفجيرات، وذاك الإنسان الذي يريد أن يعيش مطمئناً كغيره من مواطني العالم، لا يمكنه، مضطراً أن يكون وقود المحرقة، وأن يقتات تلك اليوميات بدل أن يستمتع بتفاصيل يومياته!  ayya-222@hotmail.com