أميل كثيراً إلى سلك طرق غير مألوفة في تنفيد بعض أموري، ولا أعطي المألوف والمتعارف عليه تلك الهالة التي يعطيها له غيري ممن هم حولي. فحسب ما أعتقد، أن كل مألوف اليوم، كان غريباً يوماً ما، وأن هناك ظروفاً ذهبت به إلى طريق معين لكي يصبح على ما هو عليه اليوم. المثير أنه يمكن لتلك الظروف أن تتغير، ورغم ذلك يتوارث الناس الأمر دون الوقوف للحظة للتساؤل: لماذا نفعل ذلك، وما الداعي لذلك، وهل هناك فائدة محققة من فعله؟! وعليه فيمكن للأمور التي أصنعها لدواعي معينة أن تتحول إلى عادات في عرف غيري، ومن يدري، فقد تصبح تقاليد لأشخاص آخرين في وقت ما. حسنا.. ولكي لا أتهم بالتفلسف ـ وما أحب هذه التهمة إلى قلبي ـ إليكم هذه القصة: دخل رجل على زوجته ووجدها تقلي سمكاً وقد قطعت ذيله، فسألها مستغربا، لماذا تقطعين ذيل السمك كلما قليتيه، أجابت زوجته: لا أدري.. هكذا تعلمت قلي السمك من أمي. ولأن السؤال حيرها، ذهبت الزوجة لزيارة والدتها وطرحت عليها نفس السؤال الذي طرحه زوجها سابقاً: لماذا يا أمي تقطعين ذيل السمك قبل قليه؟ أجابت الأم: هكذا وجدت جدتك تصنع ففعلت مثلها. ذهبت الحفيدة وسألت جدتها السؤال الذي طرحه زوجها ولم تجد إجابته عند والدتها: لماذا يا جدتي تقطعين ذيل السمك قبل أن تقليه؟ فأجابت الجدة: لأن المقلاة كانت صغيرة! هكذا بكل بساطة.. المقلاة كانت صغيرة. فالجدة لم تكن تملك مقلاة كبيرة، ولأن ظروفها كانت تضطرها لتقلي السمك في مقلاة صغيرة، كانت تقطع الذيل لتتمكن من قليه؛ وهكذا دأبت الابنة، وهكذا فعلت الحفيدة، وذلك على الرغم من أن ظروفهم تغيرت وأصبحت الأم تملك مقلاة كبيرة وكذلك الابنة. نرتبط بأمور ونفعلها بحذافيرها وكأنها مُنزلة، فنحولها إلى مقدسة؛ ورثناها ممن سبقونا ونورثها لغيرنا الذين يتناقلونها كعادات وتقاليد، فيما الحقيقة أن الظروف دفعت من سبقونا لفعلها، ظروف بعضها سيئ وبعضها طارئ وبعضها اضطراري، ولكنهم أُجبروا للتعامل معها، ورغم ذلك، ولأننا لا نعلم عن ذلك، دأبنا على فعل ذلك، ولم نقف قليلا لنسأل عن السبب، بل ونقوم بتوريثها لأبنائنا!. يا ترى كم سمكة قطعنا ذيلها (لأن المقلاة صغيرة)، وقللنا من منافعها التي كان يمكن أن تتحقق لو لم نفعل؟! كم من عادة نفعلها دون أن نسأل لماذا نفعل ذلك، وماهي الجدوى؟ وهل ظروفنا الحالية تبرر ذلك الصنيع؟ ثم ماذا لو لم تجد المرأة جدتها لكي تخبرها السر في قطع الذيل؟ وإلى أي درجة يمكننا أن نجد إجابات لجدوى إستخدام وسلوك نقوم به بلا أي دلالة مقنعة في ظل غياب مرجعيات! وهل بالفعل نملك هذه الجرأة في طرح الأسئلة على أنفسنا وعلى المجتمع؟ وهل نعتقد أننا لن نتعرض يوما ما من من قبل أبنائنا لهذه الأسئلة؟! أعتقد أن إعادة طرح أسئلة منطقية حول الكثير من الأساليب والطرق التي نتعاطاها في أمور نتعامل معها كمسلمات، أمر نستحقه. ‏Als.almenhaly@ngalarabiya.com