قال أبو عبادة البحتري: كنت في حداثتي أروي الشعر وكنت أرجع فيه إلى طبع سليم ولم أكن وقفت له على تسهيل مأخذ ووجوه اقتضاب حتى قصدت أبا تمام وانقطعت إليه واتكلت في تعريفه عليه. فكان أول ما قال لي: يا أبا عبادة تخير الأوقات وأنت قليل الهموم صفر من الغموم، واعلم أن العادة في الأوقات إذا قصد الإنسان تأليف شيء أو حفظه أن يختار وقت السحر، وذلك أن النفس تكون قد أخذت حظها من الراحة وقسطها من النوم وخف عليها ثقل الغذاء. واحذر المجهول من المعاني، وإياك أن تشين شعرك بالألفاظ الوحشية، وناسب بين الألفاظ والمعاني في تأليف الكلام، وكن كأنك خياط تقدر الثياب على مقادير الأجسام. وإذا عارضك الضجر فأرح نفسك، لا تعمل إلا وأنت فارغ القلب، ولا تنظم إلا بشهوة فإن الشهوة نعم المعين على حسن النظم. وجملة الحال أن تعتبر شعرك بما سلف من أشعار الماضين فما استحسن العلماء فاقصده وما استقبحوه فاجتنبه. وكان زهير بن أبي سلمى معروفاً بالتنقيح والتهذيب وله قصائد تعرف بالحوليات. قيل: إنه كان ينظم القصيدة في أربعة أشهر ويهذبها وينقحها في أربعة أشهر ويعرضها على علماء قبيلته أربعة أشهر. ولهذا كان الإمام عمر بن الخطاب مع جلالته في العلم وتقدمه في النقد يقدمه على سائر الفحول من طبقته وما أحسن ما أشار أبو تمام إلى التهذيب بقوله: يا خاطبـــاً مدحــي إليــه بجــــودهِ ولقـدْ خطبــتَ قليلـة ََ الخُطَّـابِ خُذْهَا ابْنَةالفِكْرِ المُهَذَّبِ في الدُّجَى واللَّيـلُ أســودُ رُقْعــة ِ الجلبــابِ بِكـراً تُـورِّثُ فـي الحيــــاةِ وتنثنــي في الســلْمِ وهِيَ كَثِيـرَة ُ الأَسْـلاَبِ وَيزِيدُهـــَا مَــــرُّ اللَّيَالِـــي جـــــدَّةً وتقـــادُمُ الأيَّـامِ حُسْــنَ شــبابِ فإنه خص تهذيب الفكر بالدجى لكون الليل تهدأ فيه الأصوات وتسكن الحركات فيكون الفكر فيه مجتمعاً ومرآة التهذيب فيه صقيلة لخلو الخاطر وصفاء القريحة لاسيما وسط الليل. المتنبي: أُغالِبُ فيكَ الشّوْقَ وَالشوْقُ أغلَبُ..وَأعجبُ من ذاالهجرِوَالوَصْلُ أعجبُ أمــا تَغْلَـــط الأيّـــام فــيّ بـأنْ أرَى بَغيضـــاً تُنَائـي أوْ حَبيبـاً تُقــَرّبُ وَللــه سَـــــيْري مَــا أقَـــلّ تَئِيّـــةً عَشِــيّةَ شــَرْقيّ الحَدَالـى وَغُـرَّبُ عَشـِيّةَ أحفَى النـّاس بي مَن جفوْتُهُ وَأهْـدَى الطّرِيقَين التـي أتَجَنـّبُ وَكَمْ لظـلامِ اللّيْـل عنـدكَ مـن يَــ تُخَبِّــرُ أنّ المَانَوِيّــــة تَكْــــــذِبُ وَقـَاكَ رَدَى الأعـداءِ تَسـْري إلَيْهِـمُ وَزَارَكَ فيــهِ ذو الدّلالِ المُحَجَّــبُ وَيَـوْمٍ كَلَيْــلِ العاشــقين كمَنْتُــــهُ أُرَاقـِبُ فيه الشّمـسَ أيّانَ تَغـرُبُ وَعَيْنـي إلـى أذْنَـــــيْ أغَـــرَّ كَأنّــــهُ منَ اللّيـْلِ باقٍ بـينَ عَيْنَيْهِ كوْكبُ لَـهُ فَضْلـَةٌ عَـنْ جِسْـمِهِ فـي إهَابِــهِ تَجيء على صـَدْرٍ رَحيــب وَتذهَبُ Esmaiel.Hasan@admedia.ae