عرف آباؤنا وأجدادنا العديد من العبارات والمقولات التي تشجع على ثقافة الادخار في المجتمع وتحث عليه، حتى إنهم كانوا يستخدمونها أحياناً للحكمة، ومرات أخرى على سبيل الفكاهة والمزاح والدعابة بين بعضهم البعض، ومن بين تلك العبارات «لا تصرف ولو من البحر تغرف»، حيث فيها دلالة واضحة من قائلها على ضرورة تقنين الصرف والامتناع عن الهدر المبالغ فيه مهما كان حجم تلك الثروات التي نصرف منها. ويعد الادخار مصدراً رئيساً للأمان وتحصين الإنسان من الحاجة أو طلب المساعدة من الآخرين، كما أنه ينمي وعي الإنسان ويجعله أكثر قدرة على تنظيم ثقافاته المتعددة، وتنمية قدرته في التخطيط لمستقبله ولنفسه عموماً، ما ينعكس على المجتمع ككل بعد ذلك تلقائياً. كما أنه يجعل للإنسان أهدافاً يحلم بها ويعمل ويسعى إلى تحقيقها، ويساعده الادخار في الوصول إليها فعلياً بعد ذلك. كما أنه يجعل الإنسان أكثر إدراكاً لإمكاناته وظروفه وما هو متاح لديه، وبالتالي يصبح الفرد أكثر قدرة على مواجهة أي ظرف أو ظروف طارئة أو أزمات عارضة، ويكون مستعداً لها بالقدر الممكن. كما أن للادخار فوائد عديدة على المجتمع، فالأموال المدخرة إن تم استثمارها جيداً تؤدي إلى خدمات جليلة للاقتصاد الوطني، وزيادة حصيلة المدخرات تؤدي إلى فتح آفاق ومجالات اقتصادية جديدة وذات نفع عام من مشاريع تعود بنفعها على المجتمع بأكمله. ولا شك أنه بالمقابل خرجت العديد من العبارات التي تدعو إلى الصرف، ومنها «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب»، إلا أنها قيلت لأسباب ودوافع أخرى ومن منظور آخر، قد نتفق عليه جميعنا، والمفروض ألا يفهمها «البعض» على أنها ضرورة الصرف بلامبالاة، وكما يقولون «السماء لا تمطر ذهباً». نحن ليس بصدد ذكر العبارات التي تدعونا للادخار، ولكن جاءت هنا لنوضح أهميته في ثقافتنا، سواء كان على وطر الأجداد أو في الأيام الحالية، بل إنه أثبت تحقيق نشرته «الاتحاد» سابقاً أن أجدادنا كانوا يتميزون بادخارهم أكثر منا نحن «الجيل الحالي». وأثبتت الأزمة المالية التي مر بها العالم بشكل عام، ضرورة تعميق مفهوم الادخار وتشجيع الموظفين عليه، حتى لا يتعرضون لأزمات تتسبب في تدمير مستقبلهم أو القضاء على طموحاتهم، فالادخار يقي الفرد من المخاطر المالية التي قد يتعرض لها بشكل مفاجئ، وتجبره على اللجوء إلى الاقتراض من البنوك أو إبرام اتفاقيات تمويلية تقصم فوائدها ظهره وتجعله يدخل في دوامة الديون اللا منتهية. وكما قيل: «قطرة على قطرة تستوي غدير، ورملة على رملة تستوي دعاثير». halkaabi@alittihad.ae