يستطيع صبي صغير أن يخرج شيخاً جليلاً عن طوره إن أقدم على إحراق عشب حديقته، ويستطيع الشيطان أن يرسل عجوزاً حيث فشل فتذكو نار حرب ظلت تحصد في رؤوس العباد أربعين عاماً، ويستطيع شخص متلون وفاسد ولا يعرف إلا مصلحته تقويض مجتمع متصالح مع نفسه بفتح نوافذ للحقد والكراهية ويدله عليها، ويستطيع جاهل بالكتاب ومراءٍ بالدين ومتكسب بالجنة والنار أن يزرع الغل في الصدور الخاوية والريبة في العقول الذاوية ويدعو للسلب والمغنم وتيتم الأطفال وثكل الأمهات وسبي نساء العدو، ويعدها من الحسنات التي تكفّر الذنوب! كلمات الأنبياء والمصلحين وفلاسفة الفكر التي تصون المجتمعات غالباً ما تتعرض لأناشيد الشيطان وأتباعه غير التقية بحيث تنفذ إلى داخل الجروح القديمة التي تكونت عبر التاريخ الطويل، لكنها تبقى عند الكثير من خلال توريثها عبر الأنزيمات، فلا ينفع علم ولا قراءة فكر ولا تغليب مصلحة الجمع، وبالتالي قادرون غير الحكماء أن ينفثوا السموم، ويولدوا الحروب بقيادة المجتمعات في غفلة من الزمن، ولا تظهر الانتباهة إلا على أطلال الرماد، والجثث المتورمة، وخراب النفوس، ليعاود الحكماء من جديد العمل في ترميم النفوس، وبناء المجتمعات طويلاً ليمحوا العمل النزق والقصير للمخربين الذين قدروا أن يستغلوا الوقت وينتهزوا فرص الاختلاف، ويورموا في الذات الكذّابة. منذ أحداث سبتمبر، والعالم البصير الحكيم يضع يده على قلبه لكي لا يخرج صبي صغير أو عجوز مرسلة من قبل الشيطان أو شخص فاسد أو مدعٍ يوزع صكوك الجنة والنار ليشعلوا ما أطفئ من نيران الكراهية، وينبشوا في وحل الحقد، كل عام ونحن بانتظار أن يهدم عمل سنة وسنوات بطولها، فثمن الرصاصة دريهمات لكنها قد تقضي على عقل لا يقدر بثمن، هكذا هي الحروب الخوف فيها دائماً على قيمة العقول، لا قيمة الرصاص. وكل عام يكون الفتيل جاهزاً قبل وبعد ذكرى أحداث سبتمبر، وينتظر أن يفلت من أيدي العقلاء في ساعة الصفر، فالجانب المتطرف موجود في كل مكان وعند كل الشعوب، ولولاهم لما عرفت الإنسانية العقول النيرة، وعشاق الحياة الذين أعطوا للون الرماد شيئاً من التألق والفرح، ودلوا العالم على رائحة زهر الليمون، وعلى البهجة التي يدخلها ورد التوليب على النفس. وما دامت بعض النفوس يسيّرها محبو الكراهية، لأنها ما تزال خضراء من دون حب، ولا تعرف طرق الرشاد، وتعتقد أنها تصنع حُسناً، فلابد أن ننظر للنيات الحسنة، وعلينا أن نغربلها، مثلما نغربل النيات السيئة، فبناء مركز إسلامي ثقافي ومسجد في مكان انهيار برجي التجارة عند الأمريكيين، قد يساوي الإعلان عن حرق المصاحف عند المسلمين في وقت معين، فقط لو تعاونا ضد الكراهية سنين، فسيبنى المسجد ولن تحرق المصاحف! amood8@yahoo.com